نظرة في الاسلوب والاسلوبية (محاولة في التنظير لمنهج اسلوبي عربي)
أخذت التحليلات الأسلوبية – اليوم - تحتل مكانـة مهمة في عالم الأدب, وصارت موضوعاتها الأسلوبية تستهوي عددا كبيرا من الباحثين الذين تأثروا بها, وراحوا يجدون في المحاولات التي تبذل في أنصافها أقباس هداية تسهم في اكتشاف حقيقة الإبداع الأدبي من جهة, وحقيقة المنهجية العلمية للتحليل الأسلوبي للأدب من جهة ثانية.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد واله الطيبين الطاهرين، وبعد؛ فقد أخذت التحليلات الأسلوبية – اليوم - تحتل مكانـة مهمة في عالم الأدب, وصارت موضوعاتها الأسلوبية تستهوي عددا كبيرا من الباحثين الذين تأثروا بها, وراحوا يجدون في المحاولات التي تبذل في أنصافها أقباس هداية تسهم في اكتشاف حقيقة الإبداع الأدبي من جهة, وحقيقة المنهجية العلمية للتحليل الأسلوبي للأدب من جهة ثانية.
يعنى هذا البحث بدراسة الأصول التي انطلقت منها الدراسة الأسلوبية الحديثة وموازنتها مع ما تركه لنا القدماء متمثلة في الآراء الشمولية التي طرحها عبد القاهر الجرجاني بما يستلزم التوصل إلى منهج يجمع بين التراث والحداثة بما لا يقلل من شأن تراثنا القويم. هذا البحث مقسّم على ثلاثة مباحث؛ الأول: خصص لاستقراء مفهوم الأسلوب في التراث العربي القديم, وما كتبه المحدثون من العرب والأجانب في هذا المقصد , وما آل إليه الحال بعد ظهور مصطلح (الأسلوبية), والثاني: دراسة الأفكار التي طلع بها عبد القاهر الجرجاني- بوصف دراساته نقطة تحول في البلاغة العربية-التي ينصب فحواها في الدراسات الأسلوبية الحديثة من خلال موازنتها مع ما كتبه الأسلوبيون المحدثون. والثالث: أبرز المقترحات التي يرتئيها الباحث لإيجاد منهج أسلوبي عربي بعيدا عن التقليد الصارم.
هذا جهد يسير في خضم المعرفة الواسعة, فما كان فيه من خير فهو من الله جل في علاه , وإن كانت فيه إساءة فمن عندي,ولا يكلف الله نفسا الا وسعها،فهو الموفق, وهو الهادي.
المبحث الأول
استقراء في مفهوم الأسلوب والأسلوبية
الأسلوب في كتابات القدماء:
إن مفهوم كلمة (أسلوب) قديم قدم استعماله, ولعل أقدم إشارة وصلت إلينا ما نقله الجاحظ في البيان والتبيين من كلام الهنود على خصائص الأسلوب(1), مثلما ورد لفظ (أسلوب) في كلام (أرسطو)حيث أراد به طريقة التعبير, فقال: "حقا لو إننا نستطيع أن نستجيب إلى الصواب, ونرعى الأمانة من حيث هي لما كانت لنا حاجة إلى الأسلوب ومقتضياته, ولكن علينا أن لا نعتمد في الدفاع عن رأينا على شيء سوى البرهنة على الحقيقة, ولكن كثيرا ممن يصغون إلى براهيننا يتأثرون بمشاعرهم أكثر مما يتأثرون بعقولهم, فهم في حاجة إلى وسائل الأسلوب أكثر من حاجتهم إلى الحجّة.."(2).
أما مفهوم هذه الكلمة في الموروث العربي, فقد وردت لفظة (اسلوب) في كلام العرب منذ القدم, جاء في لسان العرب لابن منظور: "... , ويقال للسطر من النخيل: أسلوب, وكلّ طريق ممتد فهو أسلوب, والأسلوب: الطريق, والوجه, والمذهب.."(3), بيد انّ هذه المعاني قد اتسعت عند البلاغيين والنقاد العرب؛ الذين ربطوا معناها بعدة مسارات, فالأسلوب عند بعضهم يدّل على طريقة العرب في أداء المعنى, مثلما نجد ذلك عند ابن قتيبة الدينوري(-276هـ) إذ قال: "..., والشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب, وعدل بين هذه الأقسام, فلم يجعل واحدا منها أغلب على الشعر, ولم يطل فيملّ السامعين, ولم يقطعْ وبالنفوس ظمأ إلى المزيد"(4), ويبدو من هذا النص إيمان ابن قتيبة بضرورة مناسبة الشاعر بين القول ومقامه, فيطيل ويوجز بحسب اقتضاء الصياغة منه ذلك, مع مراعاة حال السامع وقت إنشاده قصيدته, وتابعه في هذا المعنى القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني (-392هـ) الذي رأى إن اختلاف القوم في نظم أشعارهم إنما هو نابع من اختلاف طبائعهم, وتركيب خلقهم(5). ونادى بضرورة مناسبة المقال للمقام فلا يكون الغزل كالافتخار, ولا المديح كالوعيد,, ولا الهجاء كالاستبطاء, ولا الهزل بمنزلة الجد, "فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف, ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام, فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به, وطريق لا يشاركه الآخر فيه.."(6).
وقد يتصل مفهوم (الأسلوب) عند آخرين بالغرض والموضوع, مثلما نجد ذلك عند الحاتمي (-388هـ)(8), والباقلاني (-403هـ)(9), وابن رشيق القيرواني (-456هـ)(10). وربما اقترب من مفهوم النظم الذي يمثل الخواص التعبيرية في الكلام, وذلك نجده ماثلا في كتابات عبد القاهر الجرجاني (-471هـ), إذ قال: "واعلم أن الاحتذاء عند الشعراء وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه أن يبتدئ الشاعر في معنىً له وغرض أسلوبا – والأسلوب الضرب من النظم والطريقة فيه- فيعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب فيجيء به في شعره فيشبه بمن يقطع من أديمه نعلا على مثال قد قطعها صاحبها؛ فيقال قد احتذى على مثاله"(11), ومن أمثلة توافق الأسلوبين:
قول الفرزدق: [من الطويل].
أترجو ربيع أن يجيء صغارها بخير وقد أعيا ربيعا كبارها(12)
وقول البعيث: [من الطويل]
أترجو كليب أن يجيء حديثها بخير وقد أعيا كليبا قديمها(13)
وقد حاول من جاء من بعد عبد القاهر أن يوظف مفهوم الأسلوب على هذا النحو أمثال جار الله الزمخشري (-538هـ)(14), وأبي يعقوب السكاكي (-626هـ)(15), ويحيى بن حمزة العلوي (-794هـ)(16). وقد يرقى مفهوم الأسلوب إلى النوع الأدبي , وطرق صياغته مثلما نجده عند السجلماسي (-بعد 704هـ) الذي أطلق على فنون البلاغة مصطلح (أساليب) فسمى واحدا من كتبه (المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع) الذي عنى من خلاله بالفنون البلاغية التي تناولها كتابه مثل التشبيه, والاستعارة, والإشارة, والمبالغة والتضمين(17).
لقد تبلورت فكرة الأسلوب عند القدامى في تعريف ابن خلدون (-808هـ), إذ اتجه إلى محاولة تنظيرية مباشرة له استلهم فيها خلاصات جهود سابقيه من البلاغيين والنقاد العرب إذ قال: "ولنذكر هنا سلوك الأسلوب عند أهل الصناعة, وما يريدون بها في إطلاقهم فأعلم إنها عبارة عندهم عن المنوال الذي ينسج فيها التراكيب, أو القالب الذي يفرغ فيه.."(18), ثم حدد مفهوم الأسلوب في الإبداع الأدبي فذكر إنه يرجع "إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص, وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها, ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان فيرصها فيه رصّا كما يفعل البنّاء في القالب, أو النسّاج في المنوال.."(19).
الأسلوب في كتابات المحدثين:-
لقد استوعب المحدثون العرب المعاني التي طرقها القدماء في تعريفهم الأسلوب, لذلك جاءت هذه التعريفات مقاربة لتلك المعاني في مضمونها العام, وكان أبرز تلك التعريفات قولهم إن الأسلوب هو "طريقة الكاتب أو الشاعر الخاصة في اختيار الألفاظ, وتأليف الكلام"(20), وإنه "طريقة الكتابة, أو طريقة الإنشاء, أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير"(21), وعرفوه بأنه "الميزة النوعية للأثر الأدبي"(22), وقالوا إن الأسلوب هو "قوام الكشف لنمط التفكير عند صاحبه"(23), وقيل هو "الصورة اللفظية التي يعبّر بها عن المعنى, أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار, وعرض الخيال, أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني"(24). وبتعدد التعريفات تعددت طرائق صياغتها , بيد إنها تكاد تلتقي في معنىً جوهري يراد به ان الأسلوب هو طريقة اختيار الكاتب لأدواته الكتابية بالشكل الذي يميزه عن غيره, ويحكم له بالتفرد في صياغة أفكاره والتعبير عنها.
أما الأسلوب في الدراسات الغربية, فيبدو إن الغربيين قد أخذوا كلمة (أسلوب) (Style) من كلمة لاتينية (Stylus) , وتعني قضيبا من الحديد كان القدماء يكتبون به على ألواح الشمع(25), ويعني عندهم اصطلاحا "استخدام الكاتب لأدوات تعبيرية من أجل غايات أدبية, ويتميز في النتيجة من القواعد التي تحدد معنى الأشكال وصوابها"(26), ويرى بعضهم إن الأسلوب "يكمن في الاختيار الواعي لأدوات التعبير"(27), ويرى آخرون إن الأسلوب هو "وجه للملفوظ ينتج عن اختيار أدوات التعبير, وتحدده طبيعة المتكلم أو الكاتب ومقاصده"(28), ويقول فاليري "إن الأسلوب انزياح بالنسبة للقواعد"(29), ويبدو انه يعني بالقواعد اللغة ألام. ويقترح رولان بارت تعريفا فريدا للأسلوب, وذلك من خلال إقامة تعارض بين الأسلوب والكتابة مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الأسلوب والكتابة يتميزان عن اللغة فيقول إن الأسلوب: "لغة مكتفية بذاتها, ولا تغوص إلا في الأسطورة الشخصية والخفية للكاتب, كما تغوص في المادة التحتية للكلام حيث يتشكل أول زوج للكلمات والأشياء, وحيث تستقر نهائيا الموضوعات الشفوية الكبرى لوجوده,... ويعتبر ظاهرة ذات نظام وراثي بكل معنى الكلمة وهو بالإضافة لهذا تحويل المزاج"(30), وبالتالي يضحى الأسلوب "هو الإنسان نفسه"(31) على حد تعبير (بيفون), أو كما قال أفلاطون: "الأسلوب شبيه بالسمة الشخصية"(32).
ومن مجمل هذه التعريفات نستنتج الآتي:
أولا: إن الأسلوب يمثل الاختيار الواعي للكاتب من بين مدّخر واسع من الإمكانيات المتاحة.
ثانيا: إن الأسلوب خاصية فردية للنص يتحكم بها الكاتب.
ثالثا: إن الأسلوب هو نتيجة المعايير والمواصفات ومنطلقاتها.
رابعا: إن الأسلوب يعكس خاصية منشئه, وما يحيط به من ظروف تسهم في خلق النص.
إن الأسلوب في تراث الفكر الغربي ربما جاء مرادفا للبلاغة (Rhetoric), وربما خصّوه بمعنى أضيق من ذلك هو (مستوى التعبير)(33), وقد ميزوا ثلاثة مستويات للتعبير: البسيط والمعتدل والعالي, وهي مصورة في دولاب فيرجيل(34), وقد جاءت هذه المستويات مرتبطة بالمستويات الاجتماعية من جهة, وبالفنون الأدبية من جهة ثانية, وبالمحسنات البيانية من جهة ثالثة. ولعل أصول هذه النظرية كلها مستوحاة من أرسطو اليوناني في نظرته إن التراجيديا أرفع من الكوميديا لأن الأولى نشأت في المدن على أعين التاريخ لقربها من ذوي السلطان, في حين الأخرى نشأت بين اهل القرى مما يسهم في إخفاء أمرها, وهو يدخل عنصر اللغة في تعريف التراجيديا, ويجعل فخامة اللغة وكثرة محسناتها شرطا أساسيا فيها(35).
لقد قدمت البلاغة أربعة مبادئ أساسية للأسلوب:
الأول: المناسبة أو الملاءمة بين الأسلوب ومقامه النصّي (الكاتب, المتلقي, النص).
والثاني: الدقة, أي ملاءمة الأسلوب للاستعمال اللساني المعتمد في عصر معين.
والثالث: الوضوح, أي استبعاد تعدد المعاني النصّية.
والرابع: الزخرف, أي زخرفة الخطاب الطبيعي بالصور الأسلوبية(36).
ولعل هذه المبادئ هي نفسها التي قام عليها مفهوم الفصاحة والبلاغة في التراث الأدبي العربي(37).
ثم بدأ مفهوم الأسلوب يتحدد, ويتسع في الوقت الذي بدأت فيه الدراسة تأخذ شكلا منظما ممّا جعل بعضهم يعطيها اسم الأسلوبية(38).
الأسلوبية:
لعل أول من استعمل هذا المصطلح شخص اسمه نوفاليس (Novalis), وكانت الأسلوبية عنده تختلط مع البلاغة(39), وقد تبعه في هذا المفهوم هيلانغ (Hilang) الذي يقول إن الأسلوبية (عمل بلاغي)(40) ثم انفصلت عنها, والتحقت بميدان الدراسات اللسانية التي يعد العالم السوسيري دي سوسير رائدها الأول.
يرتكز حقل الأسلوبية على (ثنائية تكاملية هي من مواضعات التفكير الألسني وقد أحكم استغلالها علميا سوسير، وتتمثل في تفكيك مفهوم الظاهرة الألسنية إلى واقعين, أو لنقل إلى ظاهرتين وجوديتين, ظاهرة اللغة, وظاهرة العبارة, وقد اعتمد كل الألسنيين بعد سوسير هذا الثنائي فحاولوا تركيزه في التحليل, وتدقيقه بمصطلحات تتلون بسمات اتجاهاتهم الألسنية)41).
وبحسب هذه الفكرة فقد أفادت الأسلوبية من علم اللغة الحديث فكرتين مهمتين:
الأولى: التمييز بين اللغة والقول التي قال بها العالم سوسير, إذ ميز بينهما تمييزا دقيقا, فاللغة عنده نظام متعارف عليه من الرموز التي يتفاهم بها الناس, أما القول فهو صورة اللغة المتحققة في الواقع في استعمال فرد معين في حالة معينة, وهذا الاستعمال يطابق النظام العام للغة في صفاته الأساسية, ولكنه يختلف في تفصيلاته من فرد إلى آخر, ومن حالة إلى حالة, فلكل فرد من المتكلمين طريقته الخاصة. وهذه الفكرة قادت إلى نشوء علم الأسلوب لأنها شخصت السمات التي تتخذها اللغة في الاستعمال, وهي التي تكون ما سمّاه أهل الأدب الأسلوب(42).
الثانية: إن الاختلافات اللغوية ترجع في الغالب إلى اختلاف المواقف, فاللغة بوصفها نظاما اجتماعيا تأخذ أشكالا متعددة, وهو ما يجعل لكل فئة من الناس طريقتها الخاصة في استعمال اللغة ومن أبرز عوامل الاختلاف:
1- الجنس, فكثير من الكلمات تشيع بين النساء ولا تشيع بين الرجال.
2- العمر, فالشباب يختلفون عن الأطفال, وكذا الشيوخ في استعمالهم اللغة.
3- المهنة, فالطبيب يستعمل طريقة في التحدث تختلف عن طريقة القضاة مثلا.
4- البيئة الاجتماعية, فالبادية تختلف عن الحاضرة في أدائها اللغوي.
5- المناسبات الاجتماعية والمواقف تتطلب في بعض الأحيان أداءً لغويا مناسبا لها.
إن هذه الاختلافات وغيرها تشترك في تكوين الموقف الذي يحاول القائل ان يراعيه فيما يختار من طرق التعبير حتى يستطيع أن يوصل ما يريده إلى شخص آخر أو جماعة من الناس, فهو لهذا يتخير طريقة التعبير المناسبة للموقف(43).
هنا أخذت الأسلوبية تتسع, وتتحدد معالمها بشكل أوسع عند شارل بالي إذ وجّه اهتمامه إلى دراسة اللغة عامة غاضا نظره عن كل توسع في أشكالها الأدبية(44), حتى يمكن القول إنه "اهتم بدراسة اللغة مفردات وقواعد, ولم يهتم بدراستها استعمالا خاصا, أو لم يهتم بما يستطيع الفرد أن يفعله بها في ظروف معينة, وغايات محددة"(45), وقد صنف بالي الواقع اللغوي فجعل الخطاب نوعين؛ نوع حامل لذاته غير مشحون, وآخر حامل للعواطف والخلجات وكل الانفعالات(46), ذلك ان المتكلم - بحسب رأيه – "قد يضفي على معطيات الفكر ثوبا موضوعيا وعقليا مطابقا جهد المستطاع للواقع, ولكنه – في أغلب الأحيان- يضيف إليها – بكثافات متنوعة- عناصر عاطفية قد تكشف الأنا في صفائها الكامل, وقد تغيرها ظروف اجتماعية مردها حضور أشخاص آخرين, أو استحضار خيال المتلكم لهم.."(47).
وعليه فإن هناك - بحسب هذه الفكرة – نوعين من الأسلوب:
الأول: الأسلوب التعبيري: وهو ذو وظيفة أبلاغية, وغايتها إثبات إرادة المتكلم بالألفاظ, ومنهجه دراسة الوسائل التعبيرية في المجال اللغوي الذي تلتقي فيه اللغة بالحياة(48), وقد أشار إلى هذا النوع (شارل بالي), فقال:" إن اللغة الطبيعية كالتي نتكلمها جميعا ليست في خدمة التفكير الصرف, ولا في خدمة الفن, ولا تأخذ في اعتبارها المنطق الأعلى, ولا المثل الأدبي الأعلى, إنما وظيفتها الأولية والثابتة ليست إقامة القياسات المنطقية واختتام الجمل, والجمل وفق التفاعيل الشعرية. إنها بكل بساطة في خدمة الحياة, لا حياة الأقلية بل حياة الكل, وبكل مظاهرها, ووظيفتها بيولوجية واجتماعية"(49)، وهذه مسألة عني بتطبيقها العرب منذ القدم، وهي عندهم فن أصيل، إذ انهم غالبا ما عبروا عن جوانب الحياة اليومية بطرائق فنية تربط الحياة بالأدب أو بمعنى آخر الحياة بالذوق الفني.
الثاني: الأسلوب الأدبي: وهو ذو وظيفة فنية تجعل للعمل الأدبي خصائص ومميزات تميزه عن غيره, ومن أبرز رواده (ليوسبتزر), الذي قال في توضيح هذا الأسلوب: "يجب أن يبدأ في الحقيقة أي تحليل للنص, وأية دراسة في فقه اللغة بنقد الجمال مع اعتبارنا كمال العمل المدروس أمرا مفروغا منه, وبرغبة كاملة في المشاركة الوجدانية يجب أن يكون دفاعا وتبريرا موجزا..."(50), وهكذا يبدو إن الأسلوب الأدبي أسمى من الأسلوب التعبيري, وأجل شأنا, وهو مدار الدراسات الأسلوبية ولبنة النصوص الإبداعية.
تعددت تعريفات الأسلوبية, وانطلق الباحثون في تعريفاتهم من وجهات نظر متعددة فقد قالوا إن الأسلوبية تتمثل في "البحث عن الأسس الموضوعية لإرساء علم الأسلوب"(51), وإنها "طريقة في تحليل شكل النص مع الافادة من معطيات علم اللغة – اللسانيات"(52), وإنها "نوع من الحوار الدائم بين القارئ والكاتب من خلال نص معين"(53), وعرفها جاكبسون بأنها "بحث عمّا يتميز به الكلام الفني عن باقي مستويات الخطاب أولا, وعن أصناف الفنون الإنسانية ثانيا"(54), وقالوا إن الأسلوبية "بلاغة حديثة ذات شكل مضاعف"(55), وهي "مجموعة من الطرق المتميزة لاتي لا ترى الأسلوب إلا من خلال مظاهر خاصة"(56), وهي "دراسة للعلاقات بين الشكل وبين مجموع الأسباب الاخبارية"(57), وقيل فيها هي "دراسة التعبير اللساني"(85), وهي أيضا: "دراسة للمتغيرات اللسانية إزاء المعيار القاعدي"(59).
إن المتأمل لهذه التعريفات يرى:
أولا: عجز هذه التعريفات عن بيان معنى واضح يجلي الغبار عن ما يحيط بها من غموض, ولعل ذلك – برأيي- ناتج من اختلاف المنطلقات التي حددّها لها أصحابها من جهة واختلاف المناهج المطبقة لنمط معين من الأسلوبيات من جهة ثانية، إضافة إلى الأسباب الناشئة من الترجمة غير الدقيقة.
ثانيا: لقد حاول أصحابها جعل دراسة الأسلوب تقوم على أسس موضوعية تقرّبه من الدراسة العلمية, وتنأى به عن الانطباعات الذاتية, والآراء الشخصية, التي كانت سائدة منذ القدم, وهذا ما حدا بهم إلى محاولة إكساء هذا الفن ثوب العلمية والابتعاد التدريجي عن التذوق الأدبي, وربما كان تباين وجهات النظر التي انطلق منها الباحثون عاملا مهما في صعوبة تحديد تلك الأسس أو بكلمة أدق المسار الموجه الذي يمكن الاعتماد عليه في تحديد اتجاهات الدراسة الأسلوبية, والنتائج المستخلصة منها, حتى حدا ببعضهم إلى اعتماد الأسلوبية منهجا يناهض المناهج القديمة ويهدمها بوصف الأسلوبية "الوريث الشرعي للبلاغة"(60), في حين سار آخرون في خط معتدل, ورأوا فيها من مكملات الدرس البلاغي القديم(61).
ويبدو لي إن عدم وجود منهج واضح يحدد المنطلقات الأساسية للدراسة الأسلوبية, وغياب الأصول التي تعنى بالكشف عن قيمة النصوص الأدبية , ثم تفرّد الأدباء في تطبيقاتها قد جعل منها عرضة للنقد, وموضعا للاتهام بعد قدرتها على حل مشكلات النقد.
وفي مطلع القرن الماضي ظهر للأسلوبية مفهومان:
الأول: دراسة الصلة بين الشكل والفكرة, لا سيما في ميدان الخطابة عند القدماء.
الثاني: الطريقة الفردية في الأسلوب, أو دراسة النقد الأسلوبي, وهي تتمثل في بحث الصلات التي تربط بين التعبيرات الأدبية الفردية والوجدانية(62). وكان هذا المفهوم أساس الخلاف بين الأسلوبيين, وتعدّد اتجاهاتهم, وكان من نتائج ذلك تعدد الأسلوبيات, فظهرت الأسلوبية التعبيرية (الوصفية), والأسلوبية البنيوية, والأسلوبية التكوينية (أسلوبية الفرد), وأسلوبية الانزياح, وأسلوبية السياق, والأسلوبية الإحصائية(63), وتبعا لهذا الخلاف تعددت المدارس المطبقة لهذه الأسلوبيات, فكان هناك المدرسة الفرنسية, والألمانية والإيطالية, ومدرسة الشكلانيين الروس(64).
إن من أهم السمات المميزة للدراسة الأسلوبية إنها "تبدأ من العمل الأدبي نفسه, ومن الكلمات والطريقة التي ترتبط في القطعة الكتابية الخاصة, وليس ثمة حدود يحظر على طالب الأسلوب تجاوزها, ولكنه يبدأ في الأقل من نقطة إيجابية يمكن تحديدها"(65), بمعنى إن الأسلوبية ليس من شأنها أن تتعرض إلى رسالة الأدب أو مذاهبه, كما ليس من شأنها التمييز بين مذاهب الأدب المختلفة كتلك التي ترى في الأدب تمثيلا لتجربة بشرية’ أو تلك التي ترى فيه نقدا للحياة, أو تلك التي ترى فيه وسيلة للتعبير عن ذات الإنسان أو تعكس شخصيته, كما إنها لا تتدخل في الأدب بتقييمه, فذلك مجاله لاتجاهات نقدية أخرى تتعلق بالذوق الشخصي أو مبنية على اتجاهات جمالية معينة(66). ومن هنا يتضح قصور المنهج الأسلوبي, وضيق نظرته في التعامل مع النصوص الإبداعية وهذا ما يناقض قولهم إن الأسلوبية تمثل منهجا علميا في طرق الأسلوب الأدبي(67), وإنها نظرة شمولية تقتضي مقاييس محدّدة يدرك من خلالها قوام الإبداع الأدبي (67), ومما يزيد من قصور هذا المنهج إنها تجعل النص ساحة تنطلق منها الدراسة الأدبية, وتعده فريدا لا يمكن القياس عليه, وبالتالي القضاء على روح النقد لأن ذلك يسبب غياب الأصول التي يتخذها النقاد أساسا في تحليلاتهم الأدبية لاستكشاف قيمة النص وتفرد الأديب فيه. وسأورد هنا دراسة قام بها أحد الباحثين لتحليل قصيدة (ولد الهدى) لأحمد شوقي تحليلا أسلوبيا مستمدا مصطلحاته وطريقته مما كتبه الغربيون فكانت الإساءة إلى النص واضحة, وقد أسهمت في فقدان النص قيمته وجماله (68). لقد بدأ الباحث تحليله بتقديم تنظيري تناول الأسلوبية التنظيرية, والأسلوبية التطبيقية, وأسلوبية التحليل الأصغر, وأسلوبية الوقائع, وأسلوبية الظواهر, وأسلوبية النماذج, وأسلوبية السياق وأسلوبية الأثر, ونمط التفاصل, ونمط التداخل, ونمط التضافر, ثم بدأت المعادلات الرياضية لتحديد معيار الكشف فيكون التضافر – بحسب رأيه- مفتاح سر القصيدة الشعري الذي حددّه الباحث بأربعة معايير استكشافية:
· معيار المفاصل
· معيار المضامين
· معيار القنوات
· معيار البنى النحوية
وكانت من أولى تجليات الظاهرة الأسلوبية بناء القصيدة على تضافر المفاصل وهي (تشابك مواطن الانتقال من شحنة اخبارية إلى أخرى), وتحاذيها ظاهرة التصاهر التي تؤدي إلى أن يكون للخطاب الشعري ثلاثة محاور:
1- المرسَل (بالفتح) ويمثله شخص نبي الأمة محمد (صلى الله عليه وآله).
2- المرسل إليه, وهو ما يتعلق بمجموع الأمة الإسلامية.
3- الرسالة, وهي ما يتعلق بالدين الإسلامي من خصائص ومميزات.
ثم حاول الباحث إعداد جدول ضم فيه الجهاز الشعري وهو بنية الشعر وبنية الدلالة والطرف المتلقي والجهاز المرجعي (محمد (صلى الله عليه وأله) + الإسلام + الأمة الإسلامية), والجهاز المفهومي وهو (المرسَل (بالفتح)), والرسالة, والمرسل إليه, ويمضي الباحث في هذا الطريق ويذكر إحصائية للضمائر, ويرسم جدولا عموديا يتضمن أرقاما صغيرة وأرقاما كبيرة وأخرى لاتينية, ثم يحتكم إلى المعادلات الرياضية فيقول:
"فلو رمنا تجريد بنية صورية من بنية الانتظام الكلامي في الخطاب الشعري – هو ما قد يزعج الشعر وأهل الشعر- لأمكننا أن نرمز إلى الحركة الداخلية في توازي نمط الصوغ الإبداعي بخط بياني يرسم على محورين متعامدين, ويكون منحنيا يتصاعد فيبلغ قمته في نقطة معينة, ثم ينحني بعدها متنازلا فيكون نصفاه متناظرين لو اتخذت المحور الرأسي وطويته وفق ما رسمته عليه لتطابق الجناحان. ومعلوم إن المعادلة الجبرية التي تنشئ هذا الخط البياني في إحدى احتمالاتها هي من شكل:
أ س2 + ب س + ج = صفر
ولكن الذي يعنينا نحن العاكفين على الإبداع وأساليب الإبداع إنما هو التذكير بأن الشرط الأساسي لتحول هذه المعادلة الجبرية إلى ذلك الخط البياني الذي سنمه قمة عليا هو أن يكون المحدد بالكسر العددي (أ) ذا قيمة موجبة, إذ لو جاء سالبا لأصبح الخط تنازليا قمته من أسفل". ثم ينطلق الباحث في التحليل مستعملا ألفاظا ومصطلحات متشابكة تكاد تكون مبهمة حتى يختم تحليله بقوله:
"لقد رأينا كيف أنبنت قصيدة (ولد الهدى) على نموذج أسلوبي مداره ظاهرة التضافر تحققت في المفاصل والمضامين, وأجريت في القنوات الأدائية ثم تشكلت في البناء التركيبي فجاء النص نسيجا لحمته الائتلاف, وسداه الاختلاف, فلا التكثيف بمفض إلى الإشباع, ولا الاطراد ببالغ حد الرتابة, فإذا بالتضافر صورة للتعدد في صلب الوحدة, وإذا به مفتاح تنكشف به إبداعية الشعر في إحدى اللوحات الروائع التي خطتها ريشة أمير الشعر...".
إن هذا التحليل – برأيي- قد أفقد النص قيمته التعبيرية, وجماله التركيبي وجعله أسيرا لفرضيات قسرية, ومصطلحات مبهمة, ومعادلات رياضية لا يحتملها النص, وفي ذلك قضاء على روح القصيدة التي تعد من أجمل الشعر الغنائي في عصرنا الراهن.
إننا بحاجة إلى منهجية تتلائم والطروحات الفكرية العربية الأصيلة, تأخذ موقعها المتميز, وريادتها الخلاّقة, تبحث حقا عن أسس الجمال الإبداعي وسر التميز الخلاق للشاعر أو الناثر بمصطلحات ألفها العربي, وتعرف إلى مكنوناتها, وتعلم أصولها, فتكون عندئذ التحليلات الأدبية تحليلات تتناسب والذوق الأدبي العربي, ولعل المنهج الذي الذي طرحه عبد القاهر الجرجاني منذ القدم هو خير من يمثل المنهج العربي القويم, حتى عدّه الكثيرون رائد الأسلوبية, بل ومؤسسها الأصيل.
المبحث الثاني
عبد القاهر الجرجاني رائد الأسلوبية العربية
عبد القاهر الجرجاني (-471هـ) واحد من أشهر الرموز الأدبية في القرن الخامس الهجري, وهو فقيه شافعي, ومتكلّم أشعري(69), وقـّف حياته من أجل العلم والتعلم, وأنفق فيها عصارة ذهنه وخلاصة ثقافته, ألف كثيرا من الكتب, و(صنّف التصانيف الجليلة)(70)؛ في النحو, والصرف والعروض, والبلاغة, والنقد, والدراسات القرآنية, بيد إن شهرته ذاعت, وانتشر صيته من خلال كتابيه (دلائل الإعجاز), و(أسرار البلاغة) الذين يمثلان دور الاكتمال في ثقافته عبد القاهر, وتفكيره الخلّاق.
كان الباعث لتأليف (دلائل الإعجاز)قضية مهمة شغلت بال الكثيرين من علماء عصره بل وقبل عصره, قضية إعجاز القرآن, ولكي يعرض إلى هذه القضية وجد نفسه قد تطرق إلى الكثير من القضايا النقدية, ووقف أمام كمّ هائل من النصوص الأدبية يحللها تحليلا أدبيا فنيا رائعا. نحويا وبلاغيا, بل ونقديا لذلك كان من الحق أن يعده كثير من الباحثين رائدا للأسلوبية الحديثة, ومؤسسا لأصولها.
"لقد خرج عبد القاهر بالنحو العربي من دائرته المغلقة, ذلك إن معيارية العربية الفصحى في القضايا الصوتية, والصرفية, والتركيبية (النحوية) أمر مقرر يحفظ لها ديمومتها, وشرط التواصل بين القديم وما يستحدث في الآماد المتلاحقة, ولكن الباب الذي وجّه إليه في (دلائل الإعجاز) هو الدرس التطبيقي التحليلي للكلام العربي, فالتركيب تدرس حالاته النحوية: الترتيبية في التقديم والتأخير, والتوليدية بين البسائط من الجمل والمركبات والنظر في العناصر المضافة ودورها وما يذكر وما يحذف, والتكوينية في التعريف والتنكير, وفي التقرير والإثبات من طرف, والإنشاء بضروبه من طرف آخر"(71). كما درس الصورة الفنية وجمالياتها, والتركيب اللغوي وجمالياته, وبحث عن القيمة المرتبطة باحتمالات بناء الجملة, وتوزع الأدوار بين أجزائها في نقل المواقف والإيحاءات, فالقدرة التعبيرية المميزة تعطي النص لمحة صافية تخلق التواصل فيسهم في تحقيق البعد الجمالي إفادة ومتعة على درجات بحسب سياق النص, وقدرته التأثيرية. إن دراسة عبد القاهر تتحول إلى دراسة أسلوبية تبحث عن مواطن الإبداع, وتحدد للأديب سمة تفرّده, وخصائص أسلوبه الذي يميزه عن غيره, ويحكم له بالتفرد.
لقد تصدى عبد القاهر الجرجاني للكثير من القضايا التي شغلت الفكر المعاصر وأدعى فيها بعضهم السبق والريادة, ممهدا بذلك لدراسة منهجية جديدة تعتمد الذوق والجمال في تناول النصوص الإبداعية, وتحليلها تحليلا ينسجم مع النظرة الموضوعية في التعامل مع الأفكار التي تحملها النصوص, ومن أبرز تلك القضايا (قضية اللغة والكلام) تلك القضية التي شغلت بال المعاصرين حتى نُصّب (دي سوسير) علما عليها, وتتلخص في الفروق الدقيقة التي تميز بين المصطلحين, وبيان العلاقة الذهنية والنفسية في حركة الدلالة اللغوية, وإقامة الروابط بين الألفاظ أصواتا وكتابة, وانطباعاتها التصورية, ووقائعها المادية, ومنعكساتها المجردة, فاللغة عند سوسير "عنصر محدد مستخلص من خصائص لغوية متغايرة الخواص عموما إنه النظام الذي أسسه نوع من الاتفاق بين أعضاء المجتمع الذي وحده يجعل الأمر ممكنا في فهم بعضهم بعضا.."(72), بمعنى إن الكلام يكون أوسع من اللغة من حيث اختصاص اللغة بفئة معينة تربط بينهم روابط محددة على نحو ما ذكرناه في المبحث الأول.
والواقع إن كلام سوسير هذا لم يكون إلا ترديدا للقضية التي تناولها عبد القاهر الجرجاني من قبل بالدرس والتحليل, ووقف عندها في أكثر من موضع في كتابه (دلائل الإعجاز) حين ميز بين اللغة والكلام تمييزا دقيقا موضحا الفروق الأساسية بينهما, فذكر إن اللغة مختصة بالكلمات المفردة ومعانيها"(73), وإن العلم بهذه المعاني "لا يعدو أن يكون علما باللغة, وبأنفس الكلم المفردة, وبما طريقه الحفظ دون ما يستعان عليه بالنظر, ويوصل إليه بإعمال الفكر"(74), وإن "الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها, ولكن لأن يضمّ بعضها إلى بعض"(75), وأشار إلى أن الكلام هو وسيلة الإنسان في التعبير عن أغراضه ومقاصده, قال: (وجملة الأمر, إن الخبر وجميع الكلام معانٍ ينشئها الإنسان في نفسه, ويصرفها في فكره, ويناجي به قلبه, ويراجع فيها عقله, وتوصف بأنها مقاصد وأغراض...)(76), ولعله انطلق في هذا من مسلمة أساسية مفادها إن اللغة مشتركة بين أصحابها, فلا يقع في ألفاظها تمايز بينهم, وإنما يقع في الكلام ونظمه, أي الأسلوب.
ومثلما تطرق عبد القاهر إلى الفروق بين اللغة والكلام تطرق إلى العلاقة الذهنية النفسية في عملية الصياغة الأدبية ورأى إن المتكلم يصير الكلمات في نفسه, ويقلبها في عقله قبل أن يصدرها إلى المتلقي, قال: "وإذ كان لا يكون في الكلم نظم ولا ترتيب إلا بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه وكان ذلك كله مما لا يرجع منه إلى اللفظ شيء ومما لا يتصور أن يكون فيه ومن صفته بان ذلك الأمر على ما قلناه من ان اللفظ تبع للمعنى في النظم, وإن الكلم تترتب في النطق بسبب ترتب معانيها في النفس وإنها لو خلت من معانيها حتى تتجرد أصواتا وأصداء حروف لما وقع في ضمير, ولا هجس في خاطر أن يجب فيها ترتيب ونظم..."(77), وهذه نظرة ثاقبة من إنسان كرس حياته من أجل العلم, والتعلم, مما يجعلنا على يقين بأصالة الفكرة الأسلوبية بزيها العربي.
إن اللغة مادة النص الأدبي, وهي الأساس التي يستند إليه في تحقيق التعبير, ومن هنا فأن مهمة المبدع – شاعرا كان أم ناثرا- تكمن في أن يصير من هذه اللغة سمات تهدف إلى الكشف عن العلاقات التي تربط بين الظواهر والأشياء, وصولا إلى تحقيق النص وظيفته التعبيرية, مرورا بالتعامل الدقيق مع معاني الكلم حيث تناسقت دلالتها في هيئات يجري فيها الكلام في وجوه كثيرة من تقديم وتأخير, وتعريف وتنكير, وذكر وحذف, وما أشبه ذلك(78), وحينما يسعى الباحث إلى تجاوز الفهم والإبلاغ فإنه يجعل من مواصفات اللغة سمات وإشارات الكشف عن العلاقات العقلية التي تكفل له خصائصه الفنية وقد تكون هذه العلاقات حقيقية وقد تكون مبتدعة يتصورها الشاعر في أوهامه, ويتخيلها في حياته منتزعة من تجربته النفسية, وعلى هذا فانّ هناك نوعين من الدلالة:
دلالة تعبيرية ذات قيمة مفهومية.
دلالة مبتدعة من خيال الشاعر وبيئته(79).
وفي رحاب هاتين الدلالتين نكتشف مغرس الإبداع, ومنبع الخلق الأدبي, وقيمة الصورة الفنية, وتلك السمات هي العناصر المؤثرة عند (شارل بالي) التي تهدف إلى الكشف عن قيمة النص, وتفرد الأديب, وإنها ما يتجاوز بها دائرة اللغة (80) وهذه القضية من بنات أفكار عبد القاهر إذ أشار إلى ذلك من قبل فقال "ينبغي أن ننظر إلى المتكلم – هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه في اللفظ شيئا ليس هو في اللغة حتى يجعل ذلك من صنيعة..."(81), وهذا يعني إن دراسة الأسلوب تتطلب أن نبحث في اللغة عما ليس بلغوي وهو الزيادة المؤثرة فيه ومع إن هذه الفكرة قد رسخت في فكر عبد القاهر الجرجاني – منذ القدم- , نجد كثيرا من المحدثين يضيقون ذرعا بمصطلحات التراث العربي, ويؤثرون مصطلحات جديدة تتوافق – بحسب رأيهم – مع متطلبات الحداثة والمعاصرة, ومن تلك المصطلحات (تراسل الحواس) التي جاءت به المدرسة الرمزية, وتعني به وصف مدركات كل حاسة من الحواس بصفات مدركات الحاسة الأخرى , ومن ثم (الخلط بين وظائف ومعطيات الحواس الخمس وتداخلها)(82), من أجل "خلق جو غامض يوحي بأحاسيسهم وأحلامهم, ورؤاهم الغامضة"(83), ومن أمثلته عندهم قول مالا راميه في قصيدة (البعث):
إن شفقا أبيض يبرد تحت جمجمتي
التي تعصبها حلقة من الحديد وكأنها قبر قديم
وأهيم حزنا خلف حلم غامض جميل.
خلال الحقول التي يزدهر فيها عصير لا نهاية. (83)
ولعل هذه الفكرة هي ما أشار إليها بلاغيونا ونقادنا القدامى, حينما وقفوا على نصوص ذاب منشؤوها في أحضان الطبيعة وما فيها من رياض وأزهار وأشجار مثمرة , ومن الأمثلة التي طرقها عبد القاهر قول الشاعر:
عسل الأخلاق إذا ما ياسرته فإذا عاسرته زقت السلعا
علق عليه عبد القاهر:
"إنما المعنى إنك تجد منه في حالة الرضا والموافقة ما يملؤك سرورا وبهجة حسب ما يجد ذائق العسل من لذة الحلاوة"(85) واصطلح عليه بـ(التشبيه العقلي)(86) , في حين يعده أصحاب المدرسة الرمزية من تراسل الحواس.
وثمة نظرة أخرى جاء بها المحدثون تتعلق بالاستعارة, إذ قال عدد منهم إن الاستعارة تكمن في خلق فجوة بين "كونين تصوريين ولغويين"(87), وإنه لا بد إن ينقل المعنى الاستعاري من معنى آخر يرتبطان بصلة معينة, أو مثلما يقول (ماكس بلاك) إن الفجوة في النظريات الحديثة للاستعارة تتعلق بـ(الابتكار الملائم لهذه النقلة)(88), وتتشعب المصطلحات عندهم فتارة هي (مسافة التوتر), وأخرى (التنافر الدلالي), وتارة ثالثة (الانفصام الإشاري)(89) وهي كلها تتعلق بالنظرة الحديثة للمفهوم الاستعاري. ولعل هذه النظرة كلها موجودة في كتابات عبد القاهر الجرجاني حين حد الاستعارة بقوله: "أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروف تدل الشواهد على إنه اختص به حين وضع ثم يستهله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل وينقله إليه نقلا غير لازم فيكون هناك كالعارية..."(90), وقال: "وإما المجاز [والاستعارة منه] فكل كلمة أريد بها غير ما وضعت له في وضع واضع لملاحظة بين الثاني والأول)(91).
ومن القضايا الهامة التي تناولها المحدثون قضية اللفظ والمعنى, أو الشكل والمضمون وجدلية العلاقة بينهما, ففي حين قصر بعضهم الأسلوب على الشكل كما هو الحال عند الشكلانيين الروس مثلا, اختلط الأمر على غيرهم, فـ(كراهام هاف) مثلا يصرح: "إن كلا من طبيعة هذه القضية, ومحدودية معرفتي تقف حائلا دون الاستمرار في مناقشة هذه المسألة"(92), بيد أنه يرى إمكانية إنقاذ مفهوم الأسلوب بوساطة ثلاث طرق: "...
1- لا حاجة لإثبات وجود شيء اسمه الأسلوب, بل يكفي اصطلاح طبيعي ومناسب للاستعمال وإن الجميع يعرف عمليا عما يدور الحديث.
2- يمكن للناقد أن يذكر مبدأ إن التعابير المختلفة شكلا تختلف في المعنى دوما كما فعل آي. أ. ريجاردز في كتابه (التفسير في التعليم), وقد يحتاج ذلك شيئا من البراعة في إبداء الآراء ولكنه من الممكن ترسيخ الموضوع بما يناسب الأغراض الأدبية.
3- ويمكن للناقد أن يتقبل هذا المبدأ على إن اختلاف الشكل هو دائما اختلاف المعنى, ولكنه يستطيع مع ذلك إنكار مبدأ اختلاف الأسلوب, فهو لم يختلف وإنما أصبح مصنفا ضمن المعنى. إن الأسلوب جزء من المعنى ولكنه جزء يمكن أن يناقش بصورة مناسبة وبدرجة معقولة"(93).
ومن هنا يتضح قصور الأسلوبين في تصور مفهوم الأسلوب, في الشكل كان أم في المعنى, حتى حدا ببعضهم إلى الدعوة لإلغائه أو أن يصبح (بناء افتراضيا عديم الفائدة)(94).
إن الأسلوبيين المعاصرين يدركون أهمية الأسلوب في عملية الصياغة الأدبية ولكنهم ينكرون استقلاليته عن المعنى, أو يعدونه بناءً افتراضيا لا يمت إلى الواقع بصلة, وهم مخطئون في كلا الحالتين, وإنما هو على ما انتهى إليه عبد القاهر الجرجاني حين رأى ان الأسلوب يتمثل في الصورة الناشئة عن ائتلاف اللفظ والمعنى معا, وعدّ (الأسلوب) عنصرا ثالثا بجنبهما, قال: "وذلك إنهم لما جهلوا شأن الصورة, وضعوا لأنفسهم أساسا وبنوا على قاعدة, فقالوا: إنه ليس إلا اللفظ والمعنى ولا ثالث, وإنه إذا كان كذلك وجب إذا كان لأحد الكلامين فضيلة لا تكون للآخر, ثم كان الغرض من أحدهما هو الغرض من صاحبه أن يكون مرجع تلك الفضيلة إلى اللفظ خاصة, وأن لا يكون لها مرجع إلى المعنى من حيث إن ذلك زعموا يؤدي إلى التناقض, وأن يكون معناها متغايرا وغير متغاير معا..."(95), وقال: "ومعلوم أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة..."(96), ومعنى ذلك إن عبد القاهر يجعل الكلام مبنيا على ثلاثة عناصر رئيسة:
· اللفظ, ويعني به الإطار الخارجي للنص.
· المعنى, ويعني به ما تشير إليه ألفاظ النص.
· الأسلوب, ويعني به الائتلاف الحاصل بين اللفظ والمعنى (الصورة).
وقد عرض لذلك عدة أمثلة نورد منها هذين المثالين:
قال أبو تمام: [من الكامل].
الصبح مشهور بغير دلائل من غيره ابتغيت ولا أعلامِ
وقال المتنبي: [من الكامل]
وليس يصّح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليلِ
علق عبد القاهر الجرجاني عليهما, فقال: "فأنت ترى أحد الشاعرين فيه قد أتى بالمعنى غفلا ساذجاً, وترى الآخر في صورة ترق وتعجب"(97), فالمعنيان يكادان أن يكونا متشابهين إلى حد ما, ولكن طريقة الصياغة حكمت للمتنبي بالجودة, وحكمت للآخر بالرداءة, وهذا شأن الأسلوب.
وبحسب هذه الفكرة فإن الإبداع الأدبي يتحقق من خلال اجتماع اللفظ والمعنى والأسلوب معا وكما موضح في الخطاطة الآتية
اللفظç المعنى ç الأسلوب ç الإبداع الأدبي
وهذا يتيح لنا القول إن الصورة الفنية التي أسهب في تناولها المحدثون إنما تتعلق بدراسة الأسلوب وطبيعته, ويبدو هذا واضحا في كثير من الدراسات التي تناولت الصورة الفنية منها (الصورة الفنية معيارا نقديا) للدكتور عبد الإله الصائغ, إذ جعل الفصل الخامس, دراسة (الصورة الفنية من خلال الأسلوب)(98), و(الصورة الفنية في المثل القرآني) للدكتور محمد حسين علي الصغير الذي قدّم بعدا تطبيقيا لعناصر الصورة في القرآن الكريم(99). ولتأكيد هذا القول نتابع كلام عبد القاهر الجرجاني في دلائله والذي يرى فيه إن الصورة هي مزية بالمتكلم في إخراج المعنى, قال عبد القاهر:
"... وان اعترف بأن ذلك يكون قلنا له: أخبرنا عنك أتقول في قوله:
وتأبى الطباع على الناقلِ إنه غاية في الفصاحة؟ فإذا قال نعم, قيل له: أو كان ذلك عندك من أجل حروفه ام من أجل حسن ومزية حصلا في المعنى, فإن قال من أجل حروفه, دخل في الهذيان, وإن قال من أجل حسن ومزية حصلا في المعنى قيل له: فذاك ما أردناك عليه حين قلنا إن اللفظ يكون فصيحا من أجل مزية تقع في معناه لا من أجل جرسه وصداه)(100), ويوضح إن إخراج المعنى في صورة هو مزية بالمتكلم نفسه قال: (قد علمنا علما لا
وتمام قوله في الصورة: "وأعلم إن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا, فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة فكان بين إنسان من إنسان, وفرس من فرس بخصوصية تكون في صورة هذا لا تكون في صورة ذاك"(102)
وقد نتج عن ذلك اننا نرى المعنى الواحد في صورتين مختلفتين, وكما في قول أبي تمام: [من الطويل]
إذا سيفه أضحى على الهام حاكما |
غدا العفو منه وهو في السيف حاكمُ |
وقول المتنبي: [من الطويل]
له من كريم الطبع في الحرب منتض |
ومن عادةِ الإحسان والصفّح غامدُ |
علق عليها عبد القاهر فقال:
"فانظر الآن نظر من نفى الغفلة عن نفسه فانك ترى عيانا إن للمعنى في كل واحد من البيتين من جميع ذلك صورة وصفة غير صورته وصفته في البيت الآخر وإن العلماء لم يريدوا حيث قالوا: (إن المعنى في هذا المعنى في ذاك, إن الذي تعقل من هذا لا يخالف الذي تعقل من ذاك, وإن المعنى عائد عليك في البيت الثاني على هيئته وصفته التي كان عليها في البيت الأول, وان لا فرق ولا فصل ولا تباين بوجه من الوجوه, وإن حكم البيتين مثلا حكم الاسمين قد وضعا في اللغة لشيء واحد كالليث والأسد, ولكن قالوا ذلك على حسب ما يقوله العقلاء في الشيئين يجمعهما جنس واحد, ثم يفترقان بخواص ومزايا وصفات كالخاتم والخاتم, والشنف والشنف, والسوار والسوار, وسائر أصناف الحلي التي يجمعها جنس واحد ثم يكون بينها الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل."(103)
وهكذا فالذي نجده في أقوال عبد القاهر الجرجاني, وما يثار اليوم في الدراسات الأدبية يجعلنا نقول: إن كل الدراسات اليوم في ميدان الصورة الفنية بمجالها التطبيقي هي دراسات أسلوبية, وإن (الصورة التي تحصل في الذهن), و(الرسم المكتوب بالكلمات) وجهان لعملة واحدة, قال د. زكي مبارك: "الصورة الشعرية هي أثر الشاعر المفلق الذي يصف المرئيات وصفا يجعل القارئ ما يدري أيقرأ قصيدة مسطورة ام يشاهد منظرا من مناظر الوجود, والذي يصف الوجدانيات وصفا يخيل للقارئ إنه يناجي نفسه لأنه يقرأ قطعة لشاعر"(104).
وتبعا لهذا الكلام فقد ركز بعض الأسلوبيين على قضية السياق, ودوره في تحقيق الإبداع الأدبي, وأفردوا لـه منهجا خاصا سموه (أسلوبية السياق)(105), ونصبوا ميكائيل ريفاتير علما عليها, وسنتابع هذا الموضوع مع ما كتبه (كراهام هاف) حيث قال:
"إن الوحدة العضوية للعمل الأدبي ليست شيئا جاهزا, وليست حجرا كريما صافيا ملقى في الطبيعة هملا, إنما هي شيء منجز, ويمكن الوصول إلى هذا الكل العضوي بطرق متنوعة, فقد يكون أحيانا في فكر الشاعر الغنائي وزن شعري قبل معرفته بالكلمات التي توافق ذلك الإيقاع... تتضمن أغلب الكتابة عملية تنقيح تتم أما على الورق أو في الذهن قبل تدوين أي شيء, وثمة شاهد إن الكتاب المختلفين ينظرون إلى هذه العملية من التنقيح في ضوء مختلف, فيراها بعضهم على أنها تجسيد للمعنى المتصور سلفا بصورة أكثر دقة, ويراها بعضهم على إنها تغيّر مستمر وتحوير في المعنى نفسه, ومن الأفضل في كلتا الحالتين للناقد أن يولي المسألة نظرة مستقبلية, فالعلم الأدبي مشروع إذا كمل فإن النتيجة تكون وحدة كاملة ومتكونة من عناصر لغوية نعرفها نحن أيضا في ارتباطات أخرى, لذلك يمكننا بعملية تجريد أن ندركها بشكل منفصل ونناقشها باعتبارها مكونات لهذه الوحدة الكاملة. وإن الكلمة السحرية في بيت سحري معين قد تكون خاملة تماما في جملة مختلفة, وإن التركيب غير البارع في سياق من السياقات قد يكون له تأثير فعال في سياق آخر, ودراسة الأسلوب تهتم بمثل هذه الظواهر مهما كانت فلسفتنا للمعنى, ومهما كانت نظريتنا في سيكولوجية العملية الخلاقة."(106). ولعل هذه الفكرة واحدة من الأسس الرئيسة التي أقام عليها الجرجاني نظريته في النظم فقال:
"..., وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف وقبل أن تصير إلى الصورة التي بها يكون الكلم أخبارا وأمرا ونهيا واستخبارا وتعجبا, وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة, وبناء لفظة على لفظة..."(107), وذهب عبد القاهر أبعد من ذلك حينما قال: "وهل تجد أحد يقول: هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها من النظم, وحسن ملاءمة معناها لمعنى جاراتها, وفضل مؤانستها لأخواتها"(108), إلى أن انتهى إلى القول: "فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع الشك إن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة, وإن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ, ومما يشهد لذلك إنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر, كلفظ الأخدع في بيت الحماسة:
[من الطويل]
تَلَفَتُّ نحو الحي حتى وجدتني |
وجعت من الاصغاء ليتا وأخدعا |
وبيت البحتري: [من الطويل]
وإني وإن بلّغتني شرف الغنى |
وأعتقت من رق المطامع أخدعي |
فإن لها في هذين المكانين ما لا يخفى من الحسن, ثم إنك تتأملها في بيت أبي تمام: [من الطويل]
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد أضججت هذا الأنام من خرقك
تجد لها من الثقل على النفس, ومن التنغيص والتكدير أضعاف ما وجدت هناك من الروح والخفة"(109), وما ذلك إلا لسياقات ورودها المختلفة التي جعلت إحداهما جميلة والأخرى قبيحة مستهجنة.
يتضح من كل ما سبق أصالة الفكرة الأسلوبية, ومنحاها التطبيقي في فكر عبد القاهر الجرجاني, وبالتالي أصالة تراثنا الحضاري والفكري الذي ظل متوارثا عبر الأجيال, وهو بحاجة – اليوم – إلى البعث من جديد لاستلهامه فيكون لدينا ما يسمى (المنهج الأسلوبي العربي) بصفته الأصيلة, ومنابعه الخلاقة.
نماذج من تحليلاته:
(1) قال عبد القاهر في التعليق على الآية الكريمة:
(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) (هود /44)
"... أنك لم تجد ما وجدت من المزيّة الظاهرة, والفضيلة القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض, وإن لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة والرابعة وهكذا إلى أن تستقريها إلى آخرها, وإن الفضل تناتج ما بينها, وحصل من مجموعها, إن شككت فتأمل! هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها, وأفردت لأدت من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها من الآية؟ قل (ابلعي) واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها, وكذلك فاعتبر سائر ما يليها, وكيف بالشك في ذلك, ومعلوم إن مبدأ العظمة في إن نوديت الأرض, ثم أُمرت, ثم في أن كان النداء بـ(يا) دون (أيْ) نحو يا أيتها الأرض, ثم إضافة الماء إلى الكاف دون أن يقال ابلعي الماء, ثم أن اتبع نداء الأرض وأمرها بما هو في شأنها, ونداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها ثم قيل (وغيض الماء) فجاء الفعل على صيغة (فُعِلَ) الدالة على إنه لم يغض إلا بأمر آمر, وقدرة قادر, ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى (وقضي الأمر) ثم ذكر ما فائدة هذه الأمور وهو (استوت على الجودي) ثم إضمار السفينة قبل الذكر كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن, ثم مقابلة (قيل) في الخاتمة بـ(قيل) في الفاتحة, أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز روعة, وتحضرك عند تصوّرك هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتوالى في النطق؟ أم كل ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتساق العجيب"(110).
(2)قال عبد القاهر في التعليق على بيت أمرئ القيس:
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه وأردف إعجازا وناءَ بكلكلِ
"لما جعل لليل صلبا قد تمطّى بصلبه به ثنّى ذلك فجعل له إعجازا قد أردف لها الصلب وثلّث فجعل له كلكلا قد ناء به, فاستوفى له جملة أركان الشخص, وراعى ما يراه الناظر في سواده إذا نظر قدّامه, وإذا نظر إلى ما خلفه, وإذا رفع بصره, ومدده في عرض الجو."(111)
(3)قال عبد القاهر:
"وان أردت أعجب من ذلك فيما ذكرت لك فانظر إلى قوله
سالت عليه شعاب الحي حين دعا أنصاره بوجوه كالدنانير
فإنك ترى هذه الاستعارة على لطفها وغرابتها إنما تم لها الحسن وانتهى إلى حيث انتهى بما توخي في وضع الكلام من التقديم والتأخير وتجدها قد ملحت ولطفت بمعاونة ذلك ومؤازرته لها, وإن شككت فاعمد إلى الجارين والظرف فأزل كلّا منها عن مكانه الذي وضعه الشاعر فيه فقل: سالت شعاب الحي بوجوه كالدنانير عليه حين دعا أنصاره, ثم انظر كيف يكون الحال وكيف يذهب الحسن والحلاوة, وكيف تقدم أريحيتك التي كانت وكيف تذهب النشوة التي كنت تجدها..."(112).
المبحث الثالث
نحو منهج أسلوبي عربي
لقد عرفت امتنا العربية بأنها أمّة البيان, ووصف علماؤها بأنهم أئمة اللسان, ولو تقاسم العالم التراث الإنساني, لكان الفن القولي من تراث هذه الأمة, والموروث البلاغي من نصيبها, لهذا نزل القرآن الكريم بلسانها, أنزل بلسان عربي مبين, ومن ثم كان إعجازه البياني أرقى مراتب الإعجاز, وأولاها بالخصوصية, ولعل أعمق المعجزات أثرا ما وافق طبيعة العصر, وأعلاها منزلة ما واكب متطلبات الحياة, ولقد جبل العربي على حب الكلمة, وتوخي عذوبة الألفاظ, حتى شاعت أسواق العرب الأدبية في عكاظ ومجنة وذي المجاز, فكانت هذه الأسواق ميدانا رحبا تفصح عما تجود به قريحة الشعراء, وتواكب ذائقتهم الأدبية.
واليوم يتعرض هذا التراث إلى حرب ضروس لا هوادة فيها ولا رحمة, وتتشكل كل يوم في شكل, وتتخذ من ثياب الحداثة لبوسا, وتجعل من الذين استهوتهم ثقافة الغرب جندا, فراح الناس يقلّدونهم’ ويمشون في مواكبهم, متخذين من الحداثة والمعاصرة حججا تظللهم, وراحوا يحقرون من ثقافة العرب بنأيهم عنها, ناسين –بل متناسين- تراثهم الضخم, وحضارتهم التليدة.
لقد طرحت النظريات اللسانية الحديثة فرضيات جديدة لدراسة النص الأدبي, فاستهوت هذه النظريات أفئدة كثير من الباحثين العرب فراحوا يقلدونها فأساءوا التقليد, وذهبوا يجرّبونها فأخطأوا التجريب, ودعوتهم في ذلك إن الغربيين قد فاقوا العرب في كل شيء, وهب ان ذلك صحيح في ميادين العم والتكنولوجيا, لكنّ تراثنا أصيل, وما وصل إلينا من ذلك التراث يجعلنا نطمئن إلى مناهجنا القويمة التي ترسم الطريق لدراسة النصوص الأدبية دراسة أسلوبية تذوقية وجمالية في آن معا, نعم لا بأس من الإفادة من هذه النظريات الحديثة لكنها يجب أن لا تكون أساس الدراسات الأدبية عامة والأسلوبية خاصة, ولنحاول أن نجعلها مكمّلة لموروثنا القديم بما لا يتعارض مع مصطلحات ذلك الموروث ومفاهيمه الأساسية.
لقد حاول هذا البحث أن يسلّط الضوء على واحد من المفاهيم التي طرحتها النظريات الحديثة, الأسلوبية, ذلك المنهج الذي انتشرت مفاهيمه الغربية في أوساطنا الأدبية بحجة أنه الوريث البديل للبلاغة العربية, فجاء هذا البحث ليزيل الغبار عن أصوله, وطروحاته الفكرية التي يراها الباحث متجسدة في الطروحات العربية الأصيلة بثياب الحداثة والمعاصرة.
ويحاول الباحث هنا تسجيل نقاط يراها ضرورية:
الأولى:
إن المنهج الأسلوبي الحديث لا يزال قاصرا عن إعطاء النصوص الأدبية وجهتها الحقيقة, ذلك لأنه ينطلق من فرضية أساسها النص وحده متجردا عما يحيط بمنشئه من ظروف تسهم في خلق أسلوبه من جهة, وطبيعة المتلقي من جهة ثانية. ويتجلى هذا القصور في كون العملية الإبداعية عامة, والشعرية خاصة تنبني على ثلاثة محاور رئيسة هي:
· منشئ النص (المتكلم)
· النص (الرسالة)
· المستقبل (المتلقي)
والباحث يفترض إن هناك صلة وثيقة بين هذه الأطراف الثلاثة, وإن إغفال أي واحد منها يؤدي إلى الخلل في الدراسة. فمن حيث المنشئ, فهو إنسان يخضع للكثير من العوامل التي تحدث أثرها في أسلوبه شعريا كان أم نثريا, ولعل أول هذه العوامل نفسه, فالنص الأدبي "يستمد قيمته الفنية من طريقة صياغته, وائتلاف مكوناته, وظرفه بعد أن يمّر بظرف الأديب, وانفعلاته الوجدانية, وما يجيش في صدره من عواطف, فيشحذ رهافة مكوناته التعبيرية ليفيد من خصائصها الإيحائية فتؤدي أقصى ما لديها من طاقات ذلك إن "الجمال في الأسلوب مصدره السمو في التعبير, وهو صفة نفسية تصدر عن خيال الأديب وذوقه"(113). والواقع إن مسألة الإحساس لصيقة بالنفس الإنسانية منذ القدم, ولا يستطيع أي إنسان أن يتحرر من أحاسيسه في التعبير عن مكنونات نفسه, بما ينعكس ذلك كله على نتاجه الإبداعي.
وتبعا لاختلاف المواقف التي تحدو بالأديب إلى إنشاء النص فإن ذلك كله يؤثر في طبيعة الأسلوب المصاغ, فشاعر معين حينما يكتب في الغزل, فإن أسلوبه – بطبيعة الحال- يختلف عن الكتابة في الرثاء أو الهجاء أو المدح, فلكلٍ أسلوبه الخاص به على نحو ما أشار إلى ذلك القدماء كما أثبتناه في المبحث الأول.
ثم أن أثر العصر عامل آخر يسهم في تشكيل الأسلوب, فشاعر كحسان بن ثابت كان قد علا شعره في الجاهلية فلما أسلم لان ومال نحو السهولة والسلاسة(114), وما ذلك إلا للأجواء الجديدة التي اصطبغت بها مظاهر الحياة بعد ظهور الدين الإسلامي, لذلك فإن فرضية إهمال (منشئ النص) وما يحيط به, والاقتصار على النص وحده مجردا عما حوله هو أمر تعوزه الدقة وربما لا يمكن الحكم بصحته بتاتا.
أما من حيث المتلقي فإن للشاعر أن يختار أسلوبه الملائم لطبيعة المتلقي, فالألفاظ التي يُخاطَب بها أهل المدينة هي غيرها التي يخاطب أهل الريف, ولدا فإن مخاطبة الطبقة المثقفة هي غيرها للطبقة العامّة وهذا يتطلب أن يكون لكل طبقة أٍسلوب خاص يخاطبها بها الشاعر.
الثانية:
وإذا كان لابد من مراعاة متطلبات الحداثة، وما تدعو إليه الأفكار المعاصرة فإن الباحث يرى ان ما جاء به المتأخرون عن عصر عبد القاهر الجرجاني كأبي يعقوب السكاكي والخطيب القزويني وغيرهما من مفاهيم حينما حصرت أبحاث البلاغة في المعاني والبيان والبديع, وضروب تقسيماتها الجافة) وأقحمت فيها كثير من أبحاث لا علاقة لها بالغرض الأدبي, وضيّقت دائرتها الفنية, وأفاضت عليها جمودا وجفافا أعجزها عن أن تترك أثرا أدبيا في ذوق دارسها.)(115).
إذن لا ضير أن نتحرر من هذه التقسيمات الجافة التي علقت بهذا الفن الجميل, ولا مناص من تصفية ما لحق به من تعقيد, بحركة من التجديد الأدبي تعنى بالفن القولي من دون هذه التقسيمات المملّة, وهذا الإقحام في الفلسفة والمنطق, وهذا التجديد سبيل إلى إعادة الحق لنصابه, وقطع دابر الخصام المفتعل بين التراث والحداثة.
وكخطوات عملية لهذا التجديد يرى الباحث:
أ-إعادة قراءة تراثنا العربي قراءة متأنية وواعية لنأخذ منه الأصول الأساسية فنفيد منها في تحليلاتنا الأسلوبية, ولتكون دليلا على أصالة مكوناتها الفكرية فتحقق بذلك السبق والريادة على ما تطرحه النظريات الحديثة من مناهج وأفكار.
ب- ن نؤكد على دراسة العلاقة بين الألفاظ والمعاني على نحو يفضي بنا إلى دراسة الصور الفنية بوصفها امتدادا لهما كما هي عند عبد القاهر على نحو ما تناولناه فلا فضل للفظ على معنى ولا العكس إلا بمقدار تآلفهما, وقدرتهما على رسم الصورة الفنية, وبمعنى ثانٍ إن دراسة الصورة الفنية الأساس لمعرفة النص وسر جماله ,ومقدار إبداع منشئه من دون الخوض بالتقسيمات التي أنهك البلاغيون أنفسهم في إيجادها مما لا طائل, ولا جدوى منه.
ج- التأكيد على وحدة النص الأدبي ودراسته من دون أن نعمد إلى تفكيكه, ودراسة عناصره بصورة مستقلة لأن هذا يؤدي إلى ضياع المراد , وطمس معالم الإبداع الحقيقي.
د- دراسة المقومات الأسلوبية التي تكون منها النص الأدبي, والحكم عليها بلاغيا ونقديا باستعمال المصطلحات التي ألفها العربي, من دون إقحام مصطلحات غربية تنوء بحملها آذان السامع, لأن الغاية من الدراسة الأسلوبية هي الحكم على النص, وتقديمه مقروءا أو مسموعا إلى المتلقي, فلا بد من أن تكون لغة الدراسة مفهومة بتحقيق نوع من الأرضية المشتركة بين المنشئ والمتلقي.
ه- وأخيرا يرى الباحث أن تبقى الأسلوبية على ما نقرؤها في دراسات القدماء وما نجده في دراسات المحدثين فنّا يتصل بالحياة, وعلما يتمشى مع الذوق, ومسألة تحقق الطموح, والإحساس بالجمال.
هوامش البحث
(1) ينظر: البيان والتبيين: 1 /92.
(2) النقد الأدبي الحديث: 116
(3) لسان العرب: سَلَبَ.
(4) الشعر والشعراء: 1/ 75, ينظر: تأويل مشكل القرآن: 10
(5) ينظر الوساطة بين المتنبي وخصومه: 17.
(6) المصدر نفسه:24
(7) ينظر: حلية المحاضرة: 1 /124.
(8) ينظر: بيان إعجاز القرآن: 65 ,66.
(9) ينظر: إعجاز القرآن: 175.
(10) ينظر: العمدة في صناعة الشعر وآدابه ونقده: 1/257.
(11) دلائل الإعجاز: 411.
(12) المصدر نفسه: 411.
(13) المصدر نفسه: 412.
(14) ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 1/10.
(15) ينظر: مفتاح العلوم: 95, 155.
(16) ينظر: الطراز: 1/158, 2/222.
(17) ينظر تناوله هذه الفنون: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع.
(18) مقدمة ابن خلدون: 353.
(19) المصدر نفسه: 353.
(20) دفاع عن البلاغة: 68.
(21) الأسلوب: 44.
(22) النقد والحداثة: 54.
(23) الأسلوبية والأسلوب: 60.
(24) الأسلوب: 43.
(25) ينظر: مبادئ علم الأسلوب العربي:22.
(26) الأسلوب والأسلوبية: 9.
(27) المرجع نفسه:7
(28) المرجع نفسه: 88.
(29) المرجع نفسه: 86.
(30) المرجع نفسه: 70 نقلا عن درجة الصفر في الكتابة لرولان بارت: 12
(31) الأسلوب والأسلوبية: 22.
(32) المرجع نفسه:: 23.
(33) ينظر: مبادئ علم الأسلوب العربي: 23.
(34) ينظر: الأسلوب والأسلوبية: 13.
(35) ينظر مبادئ علم الأسلوب العربي: 23.
(36) ينظر البلاغة والأسلوبية: 31.
(37) ينظر: أدبية النص في البلاغة العربية: 109.
(38) ينظر: الأسلوب والأسلوبية: 5.
(39) ينظر: المرجع نفسه: 5.
(40) المرجع نفسه: 5.
(41) الأسلوبية والأسلوب: 34.
(42) ينظر: في النقد الأدبي الحديث: 40.
(43) ينظر: المرجع نفسه: 41.
(44) ينظر: الأسلوب والأسلوبية:37, الأسلوبية والأسلوب: 38, البلاغة والأسلوبية: 119.
(45) الأسلوب والأسلوبية: 37.
(46) ينظر: الأسلوبية والأسلوب: 36.
(47) المرجع نفسه: 36.
(48) ينظر: التركيب اللغوي للأدب: 101.
(49) الأسلوب والأسلوبية: (كراهام هاف): 38.
(50) المرجع نفسه: 72.
(51) والأسلوبية الأسلوب: 30.
(52) منهج التحليل اللغوي في النقد الأدبي:239.
(53) دليل الدراسات الأسلوبية: 7.
(54) الأسلوبية والأسلوب: 33.
(55) الأسلوب والأسلوبية: 5.
(56) المرجع نفسه: 6.
(57) المرجع نفسه: 6.
(58) المرجع نفسه: 6.
(59) المرجع نفسه: 8.
(60) انقد والأسلوبية: 16, ينظر: مجلة الفصول (مجـ5 / 1984): 216 –219.
(61) ينظر المرجع نفسه: 218 –219.
(62) ينظر البلاغة والأسلوبية: 128.
(63) ينظر: الأسلوب والأسلوبية: 32 – 74.
(64) ينظر: دليل الدراسات الأسلوبية: 7.
(65) الأسلوب والأسلوبية (هاف): 49.
(66) ينظر البلاغة والأسلوبية: 288-289.
(67) ينظر الأسلوبية والأسلوب: 109 – 110.
(68) تنظر هذه الدراسة في: النقد والحداثة: 61 –101.
(69) ينظر بغية الوعاة: 2/106
(70) إنباه الرواة على أنباه النحاة: 2/188.
(71) تنظر مقدمة دلائل الإعجاز: 12 – 13.
(72) الأسلوب والأسلوبية (هاف): 35.
(73) ينظر: دلائل الإعجاز: 94 –95.
(74) المصدر نفسه:360.
(75) المصدر نفسه: 469.
(76) المصدر نفسه: 461.
(77) المصدر نفسه: 98 , ينظر 261.
(78) ينظر: المصدر نفسه: 117.
(79) ينظر: التفكير اللساني في الحضارة العربية: 190.
(80) ينظر: الأسلوب والأسلوبية (هاف): 22.
(81) دلائل الإعجاز: 257.
(82) في النقد الأدبي الحديث: 78.
(83) المرجع نفسه: 78.
(84) في الأدب والنقد: 138.
(85) أسرار البلاغة: 68.
(86) ينظر: المصدر نفسه: 69.
(87) في الشعرية: 133.
(88) المرجع نفسه: 133.
(89) ينظر: المرجع نفسه:133- 134.
(90) أسرار البلاغة: 29.
(91) لمصدر نفسه: 325.
(92) لأسلوب والأسلوبية (هاف): 23.
(93) لمرجع نفسه: 23.
(94) لمرجع نفسه: 21, ينظر: الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي: 132, الأسلوبية ونظرية النص: 71, علم الأسلوب, مبادئه وإجراءاته: 94.
(95) دلائل الإعجاز: 419.
(96) المصدر نفسه: 251.
(97) المصدر نفسه: 425 –426.
(98) ينظر الصورة الفنية معيارا نقديا: 361 –433.
(99) ينظر: الصورة الفنية في المثل القرآني: 150 –221.
(100) دلائل الإعجاز: 377.
(101) المصدر نفسه: 364.
(102) المصدر نفسه:445.
(103) المصدر نفسه: 443-444.
(104) الموزانة بين الشعراء: 64.
(105) ينظر البلاغة والأسلوبية (بليث): 38.
(106) الأسلوب والأسلوبية (هاف): 25 – 26.
(107) دلائل الإعجاز: 90.
(108) المصدر نفسه: 91.
(109) المصدر نفسه: 92-93.
(110) المصدر نفسه:91 – 92.
(111) المصدر نفسه:116.
(112) المصدر نفسه:130-131.
(113) نثر ابي الفضل بن العميد دراسة أسلوبية: 103.
(114) النظرية النقدية عند العرب: 288.
(115) ينظر: الأمالي في الأدب الإسلامي: 52.
(116) دائرة المعارف الإسلامية: مادة بلاغة: 4/70.
المصادر والمراجع
1- الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي/ د. شفيع السيد/ دار الفكر العربي/ القاهرة/ ط1/1986.
2- أدبية النص في البلاغة العربية في ضوء المشروع والمنجز من كتاب سر الفصاحة/محمد العمري/ دراسات أدبية ولسانية /العدد-4/ 1986.م.
3- أسرار البلاغة / عبد القاهر الجرجاني/ تعليق عبد العزيز النجار/ مصر / القاهرة/ 1977.م.
4- الأسلوب / أحمد الشايب/ مكتبة النهضة المصرية/ القاهرة/ مصر/ ط6/ 1966.م.
5- الأسلوب والأسلوبية/ بييرجيرو/ترجمة د. منذر عياشي/ مركز الإخاء القومي/ بيروت/ لبنان/ د. ت.
6- الأسلوبية والأسلوب/ عبد السلام المسدّي / الدار العربية للكتاب / ليبيا وتونس/ 1977.م.
7- الأسلوبية ونظرية والنص/ د. إبراهيم خليل/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ ودار الفارس للنشر والتوزيع/ عمان ط1/ 1997.
8- إعجاز القرآن/ ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني/ تحـ. أحمد الصقر/ دار المعارف/ القاهرة/ 1963.
9- الأمالي في الأدب الإسلامي/ د. ابتسام مرهون الصفار/ بغداد/ العراق/ د.ت.
10- انباه الرواة على أنباه النحاة/ القفطي/ تحـ. محمد أبو الفضل إبراهيم / القاهرة.
11- بغية الوعاة في أخبار النحاة/ جلال الدين السيوطي/ تحـ محمد أبو الفضل إبراهيم/ مطبعة عيسى البابي الحلبي/ القاهرة/ 1964.
12- البلاغة والأسلوبية/ د. محمد عبد المطلب/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ القاهرة/ 1984.
13- البلاغة والأسلوبية (نموذج سيميائي لتحليل النص) / هنريش بليث/ ترجمة محمد العمري/ منشورات دراسات ساك/ الدار البيضاء/ ط1/ 1989.م.
14- بيان إعجاز القرآن/ أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي/ تحـ. محمد خلف الله ود. محمد زغلول سلام/ دار المعارف/ القاهرة/ ط2/ 1968.
15- البيان والتبيين/ الجاحظ/ شرح وتحقيق عبد السلام هارون/ مكتبة الخانجي/القاهرة/ ط5/ 1985.م.
16- التركيب اللغوي للأدب/ د. لطفي عبد البديع/ مكتبة النهضة/ القاهرة/ ط1/ 1970.
17- التفكير اللساني في الحضارةالعربية/ د. عبد السلام المسدّي/ الدار العربية للكتاب/ تونس/ 1981.م.
18- حلية المحاضرة في صناعة الشعر/ الحاتمي/ تحـ د. جعفر الكتاني/ دار الحرية للطباعة/ بغداد/ 1979. م.
19- دائرة المعارف الإسلامية الألمانية/ أمين الخولي/ بحث/ ترجمة الدكتور عبد الحميد يونس وجماعته/ اوفسيت/ 1933.م.
20- دفاع عن البلاغة/ أحمد حسن الزيات/ عالم الكتب/ بيروت/ لبنان/ ط2/ 1967.م.
21- دلائل الإعجاز/ عبد القاهر الجرجاني/ تحـ. د. محمد رضوان الداية وفايز الداية/ مكتبة سعد الدين/ دمشق/ ط2/ 1987.م.
22- دليل الدراسات الأسلوبية/ د. جوزيف ميشال شريم/ المؤسسة الجامعية للدراسات/ بيروت/ لبنان/ ط1/1999.
23- الشعر والشعراء/ ابن قتيبة/ تحـ. أحمد محمد شاكر/ دار المعارف/ القاهرة / مصر.
24- الصورة الفنية في المثل القرآني/ محمد حسين علي الصغير/ دار الرشيد للنشر/ بغداد/ العراق/ 1981.م.
25- الصورة الفنية معيارا نقديا/ د. عبد الإله الصائغ/ دار الشؤون الثقافية/ بغداد/ العراق/ 1987.
26- الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز/ العلوي/ تصحيح سيد علي العرضي/ دار الكتب الخديوية/ مطابع المقتطف/ القاهرة/ مصر/ 1914.
27- علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته/د. صلاح فضل/ مؤسسة مختار للنشر والتوزيع/ القاهرة/ مصر/ د.ت.
28- العمدة في صناعة الشعر وآدابه ونقده/ ابن رشيق القيرواني/ تحـ محمد محي الدين عبد الحميد/ دار الجيل/ بيروت/ لبنان/ ط4/1972.م.
29- في الأدب والنقد/ محمد مندور/ مكتبة النهضة/مصر/ القاهرة/ ط5/د.ت
30- في النقد الأدبي الحديث/ د. فائق مصطفى ود. عبد الرضا علي/ دار الكتب/ جامعة الموصل/ ط2/ 2000.م.
31- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل/ جار الله الزمخشري/ المكتبة التجارية الكبرى/ القاهرة/ ط1/ 1354هـ.
32- لسان العرب/ ابن منظور الأفريقي المصري/ دار صادر ودار بيروت/ لبنان/ 1955.م.
33- مبادئ علم الأسلوب العربي/ شكري محمد عياد/ مطبعة انترناشيونال بريس/ ط1/1988م.
34- مجلة فصول/ المجلد-5/الجزء-1/ السنة 1984.م.
35- مفتاح العلوم/ السكاكي/ صححه احمد سعد علي/ مطبعة مصطفى البابي/ القاهرة/ مصر. ط1/ 1937.م.
36- مقدمة ابن خلدون/ ابن خلدون/ تحـ. حجر عاصي/ منشورات دار ومكتبة الهلال/ بيروت/ لبنان/ 1988.
37- المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع/ السجلماسي/ تحـ. غلال الغازي/مكتبة المعارف/ الرباط/ المغرب/ 1980.م.
38- منهج التحليل اللغوي في النقد الأدبي/ سمير شريف/ مجلة آداب المستنصرية/ ج16/ 1988.
39- الموازنة بين الشعراء/ د. زكي مبارك/ القاهرة/ مصر/ ط2/ 1936.م.
40- نثر ابي الفضل بن العميد, دراسة أسلوبية/ محمد حسين عبد الله المهداوي/ رسالة ماجستير/ جامعة القادسية/ 2004م.
41- النظرية النقدية عند العرب/ د. هند حسين طه/ دار الرشيد للنشر/ بغداد/ 1981.م.
42- النقد الأدبي الحديث/ محمد غنيمي هلال/ بيروت/ 1972. م.
43- النقد والأسلوبية/ عدنان بن ذريل/ منشورات اتحاد الكتاب العرب/ 1989.
44- النقد والحداثة/عبد السلام المسدّي/ دار الطليعة للنشر/ بيروت/ لبنان/ ط1/ 1983.م.
45- الوساطة بين المتنبي وخصومه/ علي بن عبد العزيز الجرجاني/ تحـ. محمد أبو الفضل إبراهيم/ ط3/ القاهرة/ مصر.