السيد حسن نصر الله في الشعر العربي المعاصر
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
يكتسبُ النتاج الأدبي أهميته من المواضيع التي يتناولها، فأشرف المديح مديح محمد وآله الكرام عليهم الصلاة والسلام، وأفضل الفخر الفخر بنعم الله –سبحانه. من إيمان وتوفيق للجهاد والأعمال الصالحة..
الكتابة الأدبية التي تجعل من حبّ الأوطان والالتفاف حوا قادتها الشجعان غرضاً لها من ذلك النتاج الأدبي الشريف الذي ينبغي الاهتمام به وتسليط الضوء عليه ودراسته وتحليله.
وقد وجدنا ان حركة المقاومة الإسلامية اللبنانية وقائدها المجاهد السيد حسن نصر الله، قد لفتت انتباه الأدباء فخصّوها بنماذج جميلة من الشعر بنوعيه العمودي والحر وبقصيدة النثر، إلاّ انّ هذا النتاج لم يجد من يخصه بالدراسة والبحث، فأثرنا أن نكون في مقدمة من يقتحم هذا الميدان ونكتب بحثاً تحت هذا العنوان: (السيد حسن نصر الله في الشعر العربي المعاصر)، جعلناه بتمهيد سلطنا الضوء فيه على أهمية ظهور حركة المقاومة الإسلامية اللبنانية لتعبر عن رفض الشعب العربي المسلم للوجود الأجنبي والاحتلال الاستعماري، ووزعنا بعد ذلك مواد بحثنا على عنوانات فرعية أولها: قرين النصر، في الإشارة إلى النتاج الأدبي الذي نظر بتفاؤل إلى الحركة وسيدها وقَرَنَ وجودهما بالغد المتألق الذي يتحقق فيه النصر المؤزر على العدوان والاحتلال، وكان ثاني العنوانات الفرعية: مواجهة العدو وهزيمته، وأدرجنا فيه ما كتبه الأدباء في جهاد المقاومة الذي حطّم أسطورة العدو الذي لا يقهر من خلال الصمود الأسطوري والقتال البطولي في ساحات المنازلة. وجعلنا (الإمام الحسين عليه السلام ) ثالث هذه العنوانات، إذ قَرَنَ عددٌ من الأدباء العرب جهاد هذه الفئة من المجاهدين وصمودها إزاء دولة الصهيونية ومن يقف وراءَها من القوى الصليبية، بيوم كربلاء الخالد سنة 61هـ يوم وقف سبط رسول الله صلى الله عليه وآله ليهتف هيهات منّا الذلة. فكان درساً ثورياً يستمد منه الثوار في كلِّ مكان وزمان دروس التضحية والإصرار على مواصلة الرفض للظلم بكلّ اشكالهِ.
وقد اعتمدنا على عددٍ من المصادر منها ما طُبع ونشر في الكتب الأدبية والمجموعات الشعرية ومنها ما نشر على شبكة المعلومات العالمية العنكبوتية.
نسأل الله –سبحانه- أن يتقبل منها هذا الجهد وأن ينفعنا به وان نكون قد أدينا بعض الواجب تجاه أمتنا الكريمة ونتاجها الأدبي الملتزم والله من وراء القصد.
تمهيد:
أهمية ظهور حركة المقاومة الإسلامية اللبنانية
خضعت مساحات واسعة من بلاد المسلمين لسيطرة الدولة العثمانية، التي استمرت سنوات طوالاً، عانى المسلمون فيها أصناف التخلف حتى كانت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، فهبّ المسلمون من سباتهم العميق على دويّ مدافع نابليون ليروا ما أحضره الفرنسيون معهم من مظاهر المدنية الحديثة من مسارح ومدارس وطباعة وصحف... إلخ([1])، وشهدت بلاد المسلمين موجة احتلال أجنبي جديدة فاحتلت فرنسا مصر والجزائر وبلاد الشام واحتلت بريطانيا العراق ودول الخليج العربي واحتلت ايطاليا ليبيا... فقاوم المسلمون هذا الاحتلال، وعبّر الشعراء عن رفضهم له بقصائد عدّة، تحتلّ مساحة واسعة من ديوان الشعر العربي الحديث، من ذلك قصيدة الشاعر المصري حافظ إبراهيم التي مطلعها([2]):
لقد كان فينا الظلم فوضى فهذبت |
|
|
حواشيه حتى بات ظلماً منظما |
ومن ذلك أيضاً قول الشاعر العراقي محمد حسن أبي المحاسن([3]):
الشرق يشكو الغرب من أسهمٍ |
|
ترشقه بالكلمات الرشاق |
ينظم عصرُ النور في عهدهم |
|
من ظلمة الظلم بديع الطباق |
السيف والمدفع فصل القضا |
|
هذا بأِطلاقٍ وذا بامتشاق |
والعالم اليوم غدا منهما |
|
في نقطة الظلمة والاحتراق |
ما لضعيف عندهم رحمة |
|
وإن يكن ضاق عليه الخناق |
إلى غير ذلك من نماذج أدبية: شعرية، ونثرية كثيرة تحفل بها كتب الأدب العربي الحديث([4]).
وقد أعقب ذلك زمن خضعت فيه البلاد العربي لحكومات تعلن بعض الشعارات التحررية والثورية، ولكنها –مع ذلك- لم تقو على صد الهجمات التوسعية العدوانية التي كان يشنها الكيان الصهيوني الغاصب بين الحين والحين.. فقد أنشأ نواة دويلته على جزءٍ من فلسطين وصار يتوسع سنةً بعد أخرى حتى احتلّ فلسطين بأكملها، ولم يكتف بذلك وإنما احتلّ جزءً من الأردن وآخر من سوريا وآخر من مصر، ليحقق الحلم اليهودي الصهيوني بالسيطرة على بقعة واسعة من بلاد المسلمين تمتد من الفرات إلى النيل..
كل ذلك ولم يرَ العالم من الحكومات العربية غير الشعارات الثورية، وصارت قواتها المسلحة أداة من أدواتها في قمع شعوبها كما حصل في العراق في أثناء انتفاضة شعبان الباسلة سنة 1991م، إذ زجّ النظام الدكتاتوري الطائفي الحاكم –في تلك الحقبة- بالجيش لجرب الشعب الأعزل الذي ثار مطالباً بحقه في الحرية والكرامة والحياة الإنسانية... وهكذا هي الأنظمة الطاغوتية: قمع واضطهاد وفقر مدقع تعاني منه الشعوب المستضعفة، وفساد وإثراء غير مشروع لرجال الحكم..
وهكذا احاطت بإسرائيل المعتدية الغاصبة دول ضعيفة تقوم على أسس طائفية وفئوية واهية نخرتها الانقسامات والتناحرات والقمع والاضطهاد، استطاعت إسرائيل معها أن تبتلع أجزاء جديدة من أرض الدول العربية المجاورة لها.. إلى أن كان ظهور السيد حسن نصر الله، وقيادته لقوة مسلحة من الشعب العربي المسلم في لبنان، استطاعت أن تصمد أمام العدوان الصهيوني وتقف بوجه محاولاته التوسعية بل تمكنت من تحرير بقاع من الأرض اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي.. وهكذا حققت هذه الفئة المؤمنة القليلة من الانتصارات ما عجزت عنه الأنظمة العربية.. التي لم تمد يد الدعم والمساندة للمقاومة اللبنانية وإنما وقفت موقف العداء منها وظهرت فتاوى عدد من وعاظ السلاطين بتحريم تقديم الدعم لهذه الفئة المجاهدة المؤمنة.. بل وحتى تحريم الدعاء لها بالنصر.
والأدباء العرب –كما هو شأنهم وشأن غيرهم من الأدباء في العالم كله- ينظمون إعجابهم بالشخصيات المهمة أوسمة يقلدون بها الأبطال الشجعان من رجال هذه الأمة الكريمة الذين ثبتوا على مبادئهم، وسقوا شجرة الحرية من دمائهم.
لقد استطاعت حركة المقومة الإسلامية اللبنانية –على قلة عددها- ان تصمد بوجه العدوان الصهيوني متسلحة بإيمانٍ صادق وعزيمة أكيدة فحققت قول الله تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين)([5]). وقد كان الشعراء العرب وبخاصة شعراء الجنوب اللبناني الثائر ينشدون مع البندقية الشريفة التي يحملها المجاهدون أناشيد النصر، فتشتد عزيمة المجاهدين على مواصلة السير على طريق المقاومة والجهاد.
1. قرين النصر
سَلّط بعضُ الشعراء الضوءَ على الماضي القريب الذي اقترن بالهزائم المتلاحقة، منذ سنة 1948 عندما قام كيان إسرائيل الغاصب إلى انتكاسة 1967 عندما استطاعت هذه الدويلة الصهيونية الصغيرة، أن تهزم جيوش مصر وسوريا والأردن والعراق مجتمعةً، وأن تحتلّ أراض ٍ جديدة.. واستمرت مسيرة الهزائم إلى أن شدّ حاكم مصر الرحال إلى هذه الدويلة الغاصبة ليستجدي من زعمائها سلاماً ذليلاً، وليحقق مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها مرحلة الخنوع والاستسلام، وفي ليل الاستسلام الحالك الظلام يسطع فجأة نجم السيد حسن نصر الله موحداً جهود فتية آمنوا فزادهم الله هدىً.. يقول الشاعر عمر الفرّاء عن هذا المعنى([6]):
كنّا نعاني القهرَ حتّى جئتنا |
|
|
ربّ البريّةِ دون وَعْدٍ أرسلك |
ريحٌ مواتيةٌ وفجرٌ قادِمٌ |
|
|
أبشر بصر الله قد دارَ الفلك |
سربُ الملائك رافقتكَ وأنتَ في |
|
|
حرّ الهجير بفيء ريش ظللك |
يُلاحظ على الأبيات الروح الإيمانية والمعاني الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم، فالقائد هيأهُ ربُ البريّة وهو مُبَشّرٌ بنصر الله، تؤيده الملائكة، كما أيدت المؤمنين في زمن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ, بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ...)([7])..
ويقترن النصر كذلك بالسيد نصر الله في قصيدة للشاعر هشام عمران، أولها([8]):
بشائرُ النصرِ لاحت في سَمَا الوطن |
|
|
هدية الله أهدَاها مع الحَسَنِ |
على يديه تعالى الصوت منتشياً |
|
|
الله أكبر عادت دورةُ الزَمَنِ |
وجعله في بيت من القصيدة سَيِّدَ النصرِ، يُبشِّر به الأجيال من غير أن يمُنَّ عليهم:
ياسيد النصر أنت المستعاث به |
|
|
أنتَ المبشر في نصر بلا منن |
والشاعرُ يرى انّ الله خَصّ السيد حسن نصر الله بالنصر، لأنه صاحب حقٍّ، ولقد شاءَ اللهُ –سبحانه- أن يجعل النصر من نصيب أصحاب الحق المدافعين عنه والداعين إليه، يقول:
فصاحب الحق سلطان بقدرته |
|
|
وقدرة الله تعلو قدرة السفن |
وأحسبُ انه يريد بـ(قدرة السفن) هذه العدد القتالية، والأسلحة الفتاكة، فإنها مهما بلغت من قوة، فان قوة الله فوقها، وقدرته اللامحدودة.. أكبر من قدراتها في التدمير والفتك، والشاعرُ يوميء إلى أن قيادة السيد حسن نصر الله مؤيدة من الله –سبحانه وتعالى- لأن السيد من العلماء المؤمين والله يدافع عن الرجال المؤمنين وينصرهم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)([9])، وقد أفاد الشعراء من لقب السيد حسن الذي يجمع بين النصر ولفظ الجلالة، يقول الشاعر محمد قدسي العاملي([10]):
ياقائد الركب نصر الله يامثلاً |
|
|
وياسفينة هذا النصر ربّانا |
ورأى الشاعر حمود درويش في الإستعمار وعملائه: رجلاً مريضاً آنَ رحيله، وانّ المستقبل للمؤمنين الذين يقاتلون في سبيل الله ويتخلقون بأخلاق الإسلام العالية، يقول([11]):
وتساءَلَ الرجلُ المريض بعقلهِ |
|
|
عن سيدي ولمن سيُهدى الانتصار |
سأجيبه فيما يليق بشخصه |
|
|
من غير تكريمٍ له، بل بإحتقار |
النصرُ يهدى للكريمةِ نفسُهُ |
|
|
والطيّب الأفعال في كلّ اعتبار |
وكأن الشاعر يشير إلى الاستعمار وعملائه، بأن انفسهم لئيمة وأفعالهم خبيثة، وهذا واقع كثير من الانظمة الحاكمة التي تغدر بمناوئيها وتسوم الأحرار سوء العذاب وتذيقهم مرارة السجون وآلام التعذيب وقد تنتهي بهم إلى القتل، ومع ذلك هي تعلن شعارات الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، حتى أوصلت بلاد العرب والمسلمين إلى مرحلة من الدكتاتوية وانتهاك الحريات والاعتداء على الشعوب.. ربما تفوقُ في ظلامها عصور التخلف والاستعباد السالفة، وفي ظلّ هذا الواقع المؤلم يبزغ فجر جديد تسوده المبادئ السماوية والخلُق السامية، وهو يبشر برفعة الأمة وبلوغها المرحلة التي ارادها الله لها في قوله الكريم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..)([12])، يقول الشاعر في القصيدة نفسها:
في نصرِ نصر الله رفعةُ أمتي |
|
|
وسموها وبلوغها مجد الفخار |
وقد أفادَ الشاعر عباس علي فتوني من وعدِ الله بنصر المؤمنين، كقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)([13]).
فقال الشاعر([14]):
والنصرُ وعدٌ من نصير قاهرٍ |
|
نعم النصيرُ الواحدُ القهّارُ |
هذا أبو هادي شعاعُ هدايةٍ |
|
يعلو محياه الوسيم وقارُ |
لن يخرق الديجور نافذة الضحى |
|
والسيد "الحسن" الأمين منارُ |
ويستلهمُ الشاعرُ العراقي مظفر النواب آيات القرآن الكريم، وهو ينظم مشاعره تجاه نصر حقيقيّ صنعته سواعد رجال مؤمنين توكلوا على الله –سبحانه- فأيدهم ونصرهم، بخلاف ما تحققه بعض الأنظمة من نصرٍ تهبه الدول العظمى للعملاء وللحكومات المتحالفة معهم. يقول([15]):
يا سيدي حسن
في جنبك الخوف أمان
....
يتلفعُ نصرُ الله إذا جاء
بآياتِ القرآن
هذا الفتحُ من الله ومن مارون الراس
لامن عند الأمريكان
فسبح بحمد ربك
واستغفره
لن تبقى حيفا هادئةً
بعد الآن
فالشاعر يستلهم القرآن الكريم فينظر في سورة النصر(ذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)([16]) ويصوغ منها قلائد مشاعره، متوقعاً انّ رنين أجراس النصر في جنوب لبنان سيتردد صداها في (حيفا) وفي المدن الفلسطينية الأخرى. ويفيد الشاعر من لقب السيد حسن (نصر الله) فيستعمله على سبيل التورية في قوله:
يتلفعُ (نصرُ الله) إذا جاءَ
بآيات القرآن
ولعل في ذلك إشارة إلى ان السيد حسن نصر الله هو من رجال الدين الإسلامي، ويتخذ من زيهم شعاراًله.
ويعرض الشاعر أحمد مطر ان ظهور المقاومة في جنوب لبنان بقيادة السيد حسن نصر الله تحول كبير، فقد كان لبنان بشكل عام –والجنوب اللبناني- بشكل خاص- مسرحاً لعمليات عسكرية تقوم بها القوات المسلحة الصهيونية ولا يردعها رادع، وكانت سماء لبنان مباحةً للطيران الصهيوني، وكانت يد الصهاينة تمتد إلى أية بقعة من البلاد العربية والإسلامية تعبث بها وتسيء إلى شعبها، حتى كانت المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، يقول الشاعر([17]):
الجهات الأربع اليوم جنوب
كلّ وقتٍ
ما عدا لحظة ميلادك فينا
هو ظلّ لنفايات الزمان
كلّ أرضٍ
ماعدا الأرض التي تمشي عليها
هي سقط من غبار اللامكان
كلّ كون
قبل أن تلبسه.. كان رماداً
كلّ لونٍ
قبل أن تلمسه.. كان سواداً
كلّ معنىً
قبل ان تنفخ في معناه نار العنفوان
كان خيطاً من من دخان
يلاحظ في أبيات الشاعر مقدار تمكنه من أدوات فنّه ومقدرته على توظيف الحواس ومقدرته على الموازنة بين ماكان من أوضاع الأمة من تردّي وانهيار وبين ما صارَ عليه الأمر بعد انطلاق انتفاضة الجنوب. ويؤكد هذه المعاني في قوله:
لم يكن قبلك للعزة قلبٌ
لم يكن قبلك للسؤدد وجه
لم يكن قبلك للمجد لسان
كلّ سيء حسن ما كان شيئاً
ياجنوبيّ
ولمّا كنت كان
.....
كانت الساعةُ لا تدري كم الساعة
إلاّ
بعد ما لقنها قلبك درس الخفقان
كانت الأرض تخاف المشي
حتى علمتها دفقات الدم في قلبك
فن الدوران.
وهكذا كان الشعر العربي يزغرد لبشائر النصر التي لاحت في سماء جنوب لبنان الذي الذي احتضن المقاومة الإسلامية الرائعة بقيادة المجاهد السيد حسن نصر الله.
2. مواجهة العدو وهزيمته:
وكما تغنّى الشعر العربي بالنصر وبما لاح من بشائره في سماء المقاومة الإسلامية، فإنه وجد في شجاعة المقاتلين العرب والمسلمين ما يبشر بهزيمة الباطل المتمثل بالعدو الصهيوني المحتل، الذي عجزت الحكومات العربية والانظمة المتخاذلة من الوقوف بوجه أطماعه، لكن العقلَ الراجح والقيادة الحكيمة أحالت اسطورة الكيان الصهيوني الذي لا يُغلب إلى سراب، ويستلهم الشاعر ما ضربه القرآن الكريم من مثلٍ للذين (اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء)([18])، فيقول([19]):
اسطورةٌ هذا الكيان وخدعةٌ |
|
|
الطفلُ يهزأ خفّةً ونساءُ |
أو عنكبوتاً بل وأوهى ركنُهُ |
|
|
من صفعةٍ لا يستقيمُ بناءُ |
انَّ العدوّ يتمكن من احتلال الأرض ونهب الثروات متى ما تخاذَلَت الدول عن صدِّه والوقوف بوجهه، الاّ ان الشعب المؤمن بالله وبحقه في الدفاع عن ثرواته وأرضه فانه سيسحق غطرسة الأعداء ويمزق صفوفهم، يقول الشاعر هشام عمران([20]):
ياسيد النصر يا نبراسَ أمتنا |
|
|
حطمّ بسيفك رأس المارد العفن |
مزق بكفك أرتالاً مدرعةً |
|
|
وارفع لواءك بالأرجاءِ والمدنِ |
ومما أفادَ منه الشعراء في صورهم الشعرية، ان للسيد حسن نصر الله نسباً شريفاً يتصل بأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي قاتَلَ الطغاة وجندل سيفه "ذي الفقار" الأبطال، ولا سيما في يوم خيبر، عندما وصفه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً عنه (رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار)([21]) وهكذا كان وفتح الله خيبر على يد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ولذا لاحظ الشاعر قدسي عاملي ذلك وأشار إلى الصلة بين الجد وحفيده، فوصف السيد حسن نصر الله بسيف (ذي الفقار) الذي يرعب الأعداء من اليهود والصهاينة في الماضي والحاضر، فقال([22]):
هو أنتَ موتٌ للأعادي قادِمٌ |
|
|
فلاسمك ارتجف العدى وانهاروا |
ياذا الفقار العصر يا ابن محمد |
|
|
ارجم بكفك فاليدان جمارُ |
ارمِ الطغاة بوعدك الزاهي ضحىً |
|
|
فبوعدك انسحق الطغاة وخاروا |
ورأى الأديب تميم البرغوثي في السيد حسن نصر الله الأمل الذي انتظرته الأمة طويلاً بعد قرون لم يعرف المسلمون فيها غير الانتكاسات وكأنه الفجر الذي أعقَبَ ليلاً طويلاً كان الرجحان فيه من نصيب الأعداء من صليبيين وصهاينة امتلكوا سلاحاً لم يكن مع المسلمين مثله.. إلى كانت الحركة التي قادها السيد حسن نصر الله.. يقول([23]):
وامتدت اليدُ إلى السماء
ونزعت الليل عنها برفق
نزعت الضماد أو اللثام
فاذا تحته ليل آخر
فنزعته أيضاً
وهكذا ليلاً بعد ليل
كأنها تقلب صفحات في كتاب
وكلما قلبت صفحة منه
شفت الصفحات الباقيات عن كلام ما:
ألا ترى النبوءة
سلاحهم يهوي
وسلاحنا يصعد
انّ الأسلحة مهما كانت قوتها التدميرية كبيرة، فانها لا تقوى على ان تهزم النفوس المؤمنة، وانّ النصر لا تحققه البنادق وحدها وانما الأيادي المؤمنة التي يضعف إزاءها الأعداء مهما خططوا وسلحوا وأشاروا واستشاروا، يعبر الشاعر درويش محمود عن ذلك بقوله([24]):
فحصون أمريكا وكلّ عتادكم |
|
صاروخ جند الله أصلاها بنار |
والمروحيات التي قد أسقطت |
|
وغدت بوارجكم رماداً في البحار |
وهنا يُلاحظ ان الشاعر يذكر الأسلحة من صاروخ ومروحيات وبوارج، مما يزيد على ما في الشعر من فنّ، بأن يتحول إلى وثيقة تؤرخ لمعارك جند الله التي دُكَّت فيها بوارج العدوّ ومروحياته، وزاد على ذلك بذكر أسماء عدد من طغاة الأعداء كقوله:
أولمرت لم ينفك بوش بسلاحه |
|
وبمدكم في كلّ أشكال الدمار |
3. الإمام الحسين عليه السلام :
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، نموذجٌ فريد لا يزال الأجيال تعجب من صلابة رفضه للظلم، وعظيم تضحيته: بالأصحاب والأولاد والنفس... من أجل إعلان مبادئ الإنسانية التي بشر بها سيد الكائنات جدّه محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ويمثل أعداؤه النموذج السيء للظلم والاستكبار والطغيان، إذ عَمَدَ هؤلاء إلى منعِهِ من الماء وقتل أبنائِهِ أطفالاً وكباراً.. ولم يكتفوا بكلّ ذلك وإنما جالوا بخيولهم على جسده الشريف وأجساد أبنائه وأنصاره، واحتزوا رؤوسهم ورفعوها على الرماح وساروا بها وبأُسر الشهداء من بلدٍ إلى بلد وسط إعلامٍ ظالمٍ يصفُ الثوار بما لا يليق بهم([25]).
والسيد حسن نصر الله، شأنه شأن عدد كبير من الشخصيات الثورية، جعل من الإمام الحسين عليه السلام مثالاً يقتدى به، مع انه من أحفاده، ولذا أكثَرَ الشعراء من ذكر الأمام الحسين عليه السلام في أثناء ذكرهم لحفيده السيد حسن نصر الله. وللأديب تميم البرغوثي مقطوعة يستلهم بها التراث الأدبي القديم وبخاصة الوقوف على الأطلال والبكاء على ذكريات الأحبّة ثمّ يشير إلى علاقة النسب الشريف التي تربط السيد حسن نصر الله بسيد الشهداء الإمام الحسين بن علي8، يقول([26]):
لقد كنت أبكي في طلول لأجدادي
فأصبحت أبكي في طلول لأحفادي
امتدت يدٌ من روائي
تعدّت أربعة عشر قرناً
لاتخف لستَ وحدك، مادمنا معك فلن تنقطع
والتفت فاذا بهم جميعاً هنا
.....
وسطهم على شاشة الفضائية
نظرت إليه
أمير المؤمنين بعمامة سوداء
علامة نسبه للحسين بن علي بن أبي طالب
ثمّ انّ العرب إذا طلبت الثأر تعممت بالسواد
ثمّ انه ذكرني
وكنت قد نسيت
إنني ذو كرامة على الله
من آل بيت الرسول يا حسين
ولقد رأى بعضُ الشعراء في انتساب السيد حسن نصر الله إلى الإمام الحسين عليه السلام تعبيراً عن استمرارية الثورة ورفض الظلم منذ يوم كربلاء الخالد كقول الشاعر عبد الله الأسعد([27]):
حيّاك يا ابن الحسين الفذ يا أملاً |
|
|
ريّان لامسّه الاملاق والجرد |
يا جذوة المجد في هذا الدجى سلمتْ |
|
|
على المدى تلتظي فينا وتتقدُ |
وفي مقطوعة للأديب رامي فارس لم يكتف الشاعر بأن ينظر للسيد حسين نصر الله على انه ورث الثورة عن جدّه الإمام الحسين عليه السلام ولإنما يجعله وارثاً لقيم السماء ومطبقاً لشرائع الأنبياء، يقول([28]):
السلام على العمامة السوداء
وعلى حفيد الأنبياء
وعلى سيد الشهداء
وأصدق الأبناء
السلام على السيد حسن نصر الله.
وفي مقطوعةٍ أهداها كاتبها إلى سماحة السيد حسن نصر الله وأبطال المقاومة، رأى انّ وجه هذا السيد هو امتداد لوجه الإمام الحسين عليه السلام ولعلّ هذا يدلّ على إحساس الأديب بأن ثورة الجنوب اللبناني التي يقودها السيد حسن نصر الله ما هي الاّ متداد للثورة الحسينية.. بقول الأديب فتحي حمد الله في قصيدة "يوم النصر"([29]):
القذائف أخطأت
صدر البطولة
والقصائد أخطأت
وأنت يا من تحممت بالمحن
أخطأت من
يَممت وجهك شطر نصر
وقبضت بالكف المناضل
مشهدك
وصرخت في جوف
الضمير المهترئ
اليوم أمر
وجه الحسين يطلّ من
بين العمامة كلّ يوم
انّ وحدة الهدف، وسبل الجهاد وعظيم التضحية وغيرها من أمور تفرض على الذهن ان يحاول إيجاد رابطة مع رابطة النسب، توثق حركة المقاومة الإسلامية بيوم كربلاء الخالد سنة إحدى وستين للهجرة.
وجاءت هذه الموازنة بين كربلاء والمقاومة اللبنانية الباسلة في أجلى صورها بقصيدة (هو أنت نصر الله) التي يفتتحها شاعرها محمد قدسي العاملي بقوله([30]):
ياسيد الشهداءِ يأتيك الصدى |
|
عن ثلة هي للفخار عمادُ |
من كربلاء نهلت معين إبائها |
|
ولنينوى من شوقهم كم نادوا |
دحروا اليهود عن الجنوب وأصبحوا |
|
رمزَ الفداء وفي الوطيس جهادُ |
وفي القصيدة ظهَرَ الماضي المجيد لأمةٍ شهدت جهاد المرتضى علي بن أبي طالب عليه السلام وشهدت كذلك نهضة أبي عبد الله الحسين بن علي8، وهي تشهد اليوم هذا الصمود الاسطوري الذي جعل اسطورة التفوق العسكري الصهيوني تتهاوى أمام قيادة السيد حسن نصر الله.. ويكرر الشاعر ضمير الغائب (هو) ليزيد من بيانه وليؤكد إعجابه بقيادة هذا السيد المجاهد، والتكرار من أساليب الكلام العربي في التوكيد، وقد اتخذ منه القرآن الكريم وسيلة بيانية لتوكيد معاني كلام الله المجيد، ولعل ما ورد في سورة الرحمن –عز وجل- من تكرار ما يؤكد ذلك([31])، يقول الشاعر:
هو سيد التحرير قائد نهضةٍ |
|
هو في الصلابة صخرة وعناد |
هو من هتاف المرتضى انشودة |
|
ولصبحنا ذاك الخبا ميلادُ |
هو من حسين غضبة ومودة |
|
جمعت بشخصه هذه الأضدادُ |
هو أنت نصر الله قائد زحفنا |
|
أنت البطولة والورى أشهادُ |
ان الانظمة العربية وعلى امتداد التاريخ لم تقوَ على تسجيل انتصار عسكري على الكيان الصهيوني الغاصب، وقد استطاعت المقاومة الباسلة ما لم تستطعه الدول الكبيرة بفضل قيادتها الحكيمة المتمثلة بالسيد حسن نصر الله الذي أحبّ الله وأحبّ شعبه فأحبه الله وأحبه الشعب، يقول الشاعر محمد البرغوثي([32]):
رجلٌ في أمةٍ يدعى "حسن" |
|
ثم أضحى أمةً في رجل هذا "الحسن" |
ما الذي يرفع إنساناً إلى هذا المقام |
|
غير حبّ اللهِ والناسِ معاً |
والقادة العظام –على مرّ التاريخ- يبادلون شعوبهم ودّاً بود، وهكذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام8 وكانوا يوصون محبيهم بذلك، روى ان اسحق بن عمار قال: قالَ لي أبو عبد الله (الإمام الصادق عليه السلام ): (يا إسحاق صانع المنافق بلسانك وأخلص ودك للمؤمن، وإن جالسك يهوديّ فأحسن مجالسته)([33])، وفي النص كذلك استلهام قرآني إذ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)([34]) وقد أخذ هذا المعنى شاعرٌ آخر عندما جعل الإمام الخميني أمّةً وشبّه به سماحة السيد حسن نصر الله، قال الشاعر عباس على الفتوني([35]):
هونصر الله مهوى المقل |
|
بسمة القدس شعاع الأمَل |
هو منوال الإبا بل إنه |
|
كالخميني أمة في رجل |
ومما يشبه النهضة الحسينية من المقاومة اللبنانية الباسلة انّ فئة قليلة ثبتت إزاء جيش دولة، فالإمام الحسين بن علي عليه السلام ثار بسبعين من أصحابه وأهل بيته ضد دولة كبيرة بما تملك من قوات مسلحة وأموال وأجهزة إعلامية، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاومة الإسلامية اللبنانية التي لا تمتلك إلاّ الإيمان بعدالة قضيتها وحكمة قائدها فانها استطاعت ان تحقق الانتصار على دويلة الكيان الصهيوني الغاصب بكل ما يملكه من أجهزة عسكرية وإعلامية وبكل ما يحصل عليه من دعمٍ استعماري صليبيّ، حتى اعتاد الذهن على فكرة التفوق العسكري الصهيوني الذي عجزت الدول العربية عن الصمود في معاركها المتعددة معه، وعندما ظهرت المقاومة الباسلة بقيادة السيد حسن نصر الله توقع الكثيرون انها ليس أكثر من حركة جنونية انتحارية سرعان ما يقضي عليها العدوّ، ولعلّ في قصيدة شاعر المدينة المنورة عبد المحسن حليت إشارة جلية إلى ذلك.. يقول([36]):
وفي جنونك عقل نستنير به |
|
فكلنا معْكَ مجنون ومنتحر |
نعم عشقناك خبأناك في دمنا |
|
لأنك الطيش والأهوال والخطر |
فأنت في شارع التاريخ منعطفٌ |
|
وأنت "مبتدأ" التاريخ و"الخبر" |
ولا يخفى ما في ثالث الأبيات من توظيف جميل للمصطلح النحوي، في تورية جميلة نحسبُ ان الشاعر يريد ان يعبّر عن حركة المقاومة الإسلامية بأنها فجر عصرٍ جديد يبشر بالنصر المؤزر بعد ليل الانتكاسةِ الطويل، وانه سيحقق أمل الأمة في القضاء على العدو الصهيوني وكيانه الغاصب، لأن الجملة بمبتدئها وخبرها تتم فلا تحتاج إلى ما يوضح معناها..
ومن أوجه الشبه بين قيادة السيد حسن نصر الله والإمام الحسين عليه السلام انّ الله –سبحانه وتعالى- جَعَلَ في قلوب اتباع كلٍّ منهما من الودّ لهما والحبّ الصادق لشخصيهما، فالإمام الحسين عليه السلام جَعَلَ الله له من الأتباع والجنود الذين صمدوا وهم ليسوا غير فئة قليلة إزاء جيش دولة يملك من القوّة والعّدة والعدد ما يضمن له التفوق العسكري، وقد سمح الإمام الحسين عليه السلام لأتباعه بالتفرق عنه والنجاة بأنفسهم مساء يوم التاسع من شهر محرم الحرام سنة 61 هجري إلاّ انهم رفضوا بإباء وكان الشهيد منهم يوصي في آخر لحظات عمره بالاستمرار في صراع الدولة الأموية ونُصرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ... وهكذا هو الأمر في مقاتلي حركة المقاومة اللبنانية الإسلامية فان هؤلاء التفّوا حول قيادة السيد حسن نصر الله التفافاً واعياً وصمدوا صموداً عجيباً ازاء دولة لها من الامكانات العسكرية والقدرات التسليحية مما تمدها به الدول الصليبية الاستعمارية ومع ذلك عجزت هذه الامكانات والقدرات عن القضاء على الفئة القليلة التي آمنت بربها وبعقيدتها وحقّها وحقّ بلدها في الحياة الآمنة المستقرة، وقبل هذا وذاك فانها محضت قائدها السيد حسن نصر الله الودّ واخلصت له في الحبّ.. يقول الشاعر محمد قدسي العاملي([37]):
يا قائد الزحف نصر الله يا مثلاً |
|
يهواكَ شعبي فأنت الرمز والعلم |
ماضٍ عزيمتك الصوان جوهرها |
|
وقولك السيف والهندية الخزم |
فترعب الكفر من قولٍ ومن نطق |
|
فالحرف قنبلة والمدفع القلمُ |
إلى ان يقول:
لو خضتَ نهراً وبحراً أو علوت سماً |
|
كنا جنودك والأسوار نقتحم |
ويتضح من مقطوعة الأديب على عباس "مشتاقون" انّ المقاتلين المسلمين اللبنانيين انما يجدون في الدفاع عنه والائتمار بأوامره لانهم يرون فيه امتداداً لأجداده الطاهرين الذين أمر الله بمودتهم يقول([38]):
ياوريث الأنبياء
يا حفيد الحسين
...
...
لن يصلوا إليك وأصابعنا جمر
توقدها كلماتك
...
...
أنّي شئت صوبنا سلاحنا
لك العهد يا ابن فاطمة
يا أسد المقاومة
أنت الوعد الصادق
انه.. الوعد الصادق
لن نترك السلاح
ولقد بنى الشعراء العرب –وهم لسان حال الأمة- الآمال الجسام على المقاومة الإسلامية، ليسَ في المحافظة على لبنان من أن تبتلعه الأطماع الصهيونية والصليبية فحسب وانما في انتزاع الأراضي العربية التي احتلها الصهاينة المستعمرون، وإنقاذ المقدسات من الاحتلال، يقول الأديب علي عباس من مقطوعته "يا وادي"([39]):
فلسطين..
إننا قادمون
فقد سبقتنا رايتنا
وفيها وجد محمد
والذين معه
اشدّ من جبروتهم
يرجعون وديعة الأرض
فالأرض يرثها الغالبون
"فان حزب الله هم الغالبون"
يُلاحظ على المقطوعة حرص الأديب على الإعلان عن انتماء المقاومة للإسلام ولمحمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، مع ما فيها من استلهام قرآني إذ (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)([40])، و وظف الأديبُ كذلك قوله تعالى (فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)([41]) للتفاؤل بالنصر والغلبة إن شاء الله –تعالى- لهذه الفئة المجاهدة.
وتتصاعد وتائر التفاؤل لدى أديب آخر فيرى انّ الأهداف الرائعة التي تتطلع الأمة إليها هي التي تسعى لتكون بين ايدي المجاهدين وليسوا هم من يسعون إليها، ويرون في فجر المقاومة الإسلامية بشرى تحرير المقدسات من اسر الاعداء، يقول الشاعر عدنان الموسى من قصيدة (نصر الهامات الخاشعة)([42]):
مسرى النبيّ المصطفى يسعى لنا |
|
|
يا صخرة ميدي فلا عاشَ الخضوع |
لبِّي ندا العدنان لا تستسلمي |
|
|
بالروح نفدي قدسنا لا بالدموع |
وهكذا تبنى الأمة آمالها على هذه الفئة المجاهدة التي ستكون نواةً تجمع طاقات الأمة جميعها لتحقيق النصر المؤزر على الأعداء والطامعين ويبزغ عندئذ الفجر المتألق الذي يجعل أمتنا الكريمة في المكانة التي يريدها الله لها (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)([43]) تقودهم إلى غدهم الذي يحيا الناسُ فيه العدالة الحقيقية والسعادة الأبدية والنعيم الذي خلقهم الله من أجله.
وفي الختام، فان الأدب العربي عموماً والشعر منه خصوصاً واكبَ عدداً كبيراً من الحركات السياسية والثقافية، قديماً وحديثاً، وحركة المقاومة الإسلامية اللبنانية وقائدها سماحة العلامة السيد حسن نصر الله من الحركات التحررية الإسلامية الحديثة، ساندها الأدباء بما أبدعوه من نتاج ثوري إسلامي سانَدَ وآزَرَ البندقية الشريفة التي تحملها أيدي المجاهدين الأبطال. وهذا النتاج الأدبي توافرت فيه عناصر الإبداع ومظاهر الجمال الفني، مع انها من ذلك النوع من الأدب المقاتل الذي تكمن قيمته في المناسبة الجهادية التي يؤرخ لها ويخلد مآثرها. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
المراجع والمصادر
1. القرآن الكريم (تنزيل من رب العالمين).
- الكتب المطبوعة:
2. الأدب العربي الحديث دراسة في شعره ونثره/ د. سالم أحمد الحمداني و د. فاروق مصطفى أحمد. طبع في مطبعة جامعة الموصل، العراق.
3. الأدب العربي في كربلاء من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة 1958/ د.عبود جودي الحلي. ط/2 كربلاء. مكتبة الحكمة 2009م/ 1430هـ.
4. باقات شعرية/ عباس علي فتوني، بيروت ط/1 دار الهادي 2004م/ 1425هـ.
5. ترجمة ريحانة رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم الإمام الحسين عليه السلام في تاريخ مدينة دمشق للحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر ت 571هـ تحـ/ الشيخ محمد باقر المحمودي ط/2 قم، ايران 1414هـ.
6. حياة الإمام الحسين بن علي8 دراسة وتحليل/ باقر شريف القرشي/ تحـ:مهدي باقر القرشي، إصدار: قسم الشئون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة ط/2- 2008م/ 1429هـ.
7. حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم/ محمد حسين هيكل- تعليق وتحقيق: المجمع العالمي لأهل البيت8 ط/1 سنة 1428هـ.
8. ديوان حافظ إبراهيم، ضبطه وصححه وشرحه ورتبه: أحمد أمين وأحمد الزين، وإبراهيم الابياري ط/دار الجيل بيروت 1988م- 1408هـ.
9. ديوان محمد حسن أبي المحاسن الكربلائي/ تحقيق: محمد علي اليعقوبي، ط/2 مؤسسة المعارف للمطبوعات – بيروت 2000م/ 1421هـ، طبع مع كتاب محمد حسن أبي المحاسن دراسة في حياته واتجاه شعره السياسي. للباحث نوري كامل محمد حسن.
10. رجال الله/ عمر الفراء. بيروت ط/1 دار الهادي 2007م/ 1428هـ.
11. روائع الشعر العربي في المقاومة وسيدها/ علي أحمد، بيروت ط/1 دار إيوان 2007م/ 1428هـ.
12. السيرة النبوية لأبن هشام تحـ: مصطفى السقا، إبراهيم الابياري، عبد الحفيظ شلبي ط/بيروت دار إحياء التراث العربي.
13. في الأدب الحديث/ عمر الدسوقي ط/دار الفكر العربي.
14. قناديل الذاكرة/ علي عباس- بيوت ط/1 دار الهادي 2006م/ 1427هـ.
15. قناديل النصر/ قدسي العاملي- بيروت/ دار الولاء 2006م/ 1427هـ.
16. ما بعد بعد/ علي عباس – بيروت ط/2 دار الهادي 2007م/ 1428هـ.
17. مقتل الحسين عليه السلام / لوط بن يحيى بن سعيد بن مخلف بن سليم الازدي الغامدي المطبعة العلمية/ قم. تاريخ مقدمة الناشر 15 شوال 1398هـ.
18. الملحمة الكبرى (أيام الوعد الصادق) بيروت – دار الولاء 2006م/ 1427هـ.
19. من لا يحضره الفقيه لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ت381هـ. تحـ:السيد حسن الموسوي الخرسان ط/5 طهران 1361هـ.
20. نشيد المقاومة/ عبد الله الاسعد، قم/ المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد ط/1 سنة 2007م/ 1420هـ.
- الدوريات
21. مجلة جامعة بابل المجلد/7 العدد/1 تموز 2002. دلالة التثنية في سورة الرحمن/ د.عبود جودي عبود الحلي ص355-374.
- شبكة المعلومات العالمية العتكبوتية:
- www.elshare3-adab.blogspot.com
- tlafif.blogspot.com/2006
[1] - ينظر: في الأدب الحديث، عمر الدسوقي 15:1-16.
[2] - ديوان حافظ إبراهيم 19:2.
[3] - ديوان محمد حسن أبي المحاسن ص141.
[4] - ينظر مثلاً: الأدب العربي الحديث، دراسة في شعره ونثره للدكتور سالم أحمد الحمداني والدكتور فائق مصطفى أحمد ص62و ص67و ص78و... الأدب العربي في كربلاء من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958 اتجاهاته وخصائصه الفنية للدكتور عبود جودي الحلي ص57 وما بعدها
[5] - القرآن الكريم، سورة البقرة: 49.
[6] - رجال الله، عمر الفرّاء، بيروت- دار الولاء، 2006، ص35.
[7] - القرآن الكريم، سورة آل عمران: 124.
[8] - بشائر الوعد الصادق، هشام عمران- الشبكة العنكبوتية، الموقع:www.wa3ad. org.
[9] - القرآن الكريم، سورة الحج: 38.
[10] - قناديل النصر، محمد قدسي العاملي، بيروت- دار الولاء، 2006، ص31.
[11] - قصيدة (نصر به شهد العداة)، حمود درويش، الشبكة العنكبوتية، الموقع: www.wa3ad.org.
[12] - القرآن الكريم، سورة آل عمران: 110.
[13] - القرآن الكريم، سورة النور 55.
[14] - باقات شعرية: عباس علي فتوني، بيروت – دار الهادي ط/1- 2007، ص125.
[15] - قناديل النصر: قدسي العاملي، بيروت- دار الولاء، 2006 ص104.
[16] - القرآن الكريم، سورة النصر.
[17] - روائع الشعر العربي في المقاومة وسيدها: أحمد علي، بيروت –دار إيوان ط/1- 2007م، 1428هـ، ص59.
[18] - القرآن الكريم- سورة العنكبوت:41.
[19] - الملحمة الكبرى: أيام الوعد الصادق، محمد قدسي العاملي- بيروت، دار الولاء، 2006، ص72.
[20] - شبكة المعلومات العنكبوتية: www.wa3ad.org.
[21] - السيرة النبوية لأبن هشام 348:3 وينظر في (يوم خيبر) أيضاً كتاب حياة محمد لمحمد حسين هيكل ط/ إيران 1428هـ.
[22] - الملحمة الكبرى، أيام الوعد الصادق، قدسي عاملي، ص24.
[23] - المقطوعة في شبكة المعلومات الالدولية www.elshare3-adab.blogspot.com.
[24] - من قصيدة (نصر به شهد العداة), في شبكة المعلومات الدولية www.wa3ad.org.
[25] - ينظر في التعريف بالإمام الحسين ونهضته المقدسة.
1- ترجمة ريحانة رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع) من تاريخ مدينة دمشق لأبن عساكر.
2- مقتل الحسين (ع)، لوط بن يحيى الازدي الغامدي.
3- حياة الإمام الحسين بن علي (ع)، باقر شريف القرشي.
[26] - النص على شبكة المعلومات الدولية www.elshare3-adab.blogspot.com.
[27] - نشيد المقاومة: عبد الله الأسعد، قم، المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد ط/1- 2007م، ص42.
[28] - يُنظر النص على شبكة المعلومات الدولية www.wa3ad.org/arabik
[29] - النص في شبكة المعلومات العنكبوتية tlifif.blogspot.com/2006.
[30] - قناديل النصر: محمد قدسي العاملي، بيروت- دار الولاء, 2006م ص241-244.
[31] - ينظر البحث الموسوم (دلالة التثنية في سورة الرحمن) للدكتور عبود جودي الحلي المنشور في مجلة جامعة بابل، العدد/1، المجلد/7، تموز 2002، ص355-374.
[32] - شبكة المعلومات العنكبوتية www.majeedbarghouthi.net.
[33] - من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 404:4.
[34] - القرآن الكريم- سورة النحل: 120.
[35] - باقات شعرية: عباس علي فتوني، بيروت -2004، ص163.
[36] - شبكة المعلومات العنكبوتية www.wa3ad.org.
[37] - قناديل النصر: محمد قدسي العاملي، بيروت –دارالولاء 2006م/ 1427هـ ص97.
[38] - ما بعد بعد: علي عباس- بيروت، دار الهادي ط/2 -2007، ص72.
[39] - قناديل الذاكرة: علي عباس، بيروت-دار الهادي 2006، ص117.
[40] - القرآن الكريم- سورة الأنبياء: 105.
[41] - القرآن الكريم- سورة المائدة:56.
[42] - شبكة المعلومات العنكبوتية www.wa3ad.org/2008.
[43] - القرآن الكريم – سورة آل عمران: 110.