مجلة أهل البيت عليهم السلام العدد 19
أخلاقيات الوظيفة والنزاهة في فكر الامام علي عليه السلام.
لعل من أخطر ما ينتج عن ممارسات الفساد والافساد هو ذلك الخلل الجسيم الذي يصيب أخلاقيات المهنة والوظيفة وقيم المجتمع مما يؤدي إلى شيوع حالة ذهنية لدى الأفراد، يبرز الفساد ويجد له من الذرائع ما يبرر استمراره، مما يجعل الفرد يفقد الثقة في قيمه (عمله الأصلي) وجدواه وتالياً يتقبل نفسياً فكرة التفريط التدريجي في معايير أداء الواجب الوظيفي والمهني والرقابي مما يقع ذلك في دائرة الاخلال بالواجبات الوظيفية والسلوك الوظيفي المنحرف.
حيث يعد هذا السلوك واحداً من أهم الأمراض الاجتماعية بل أخطرها التي تصيب شخصية الفساد وظيفياً بوصفه فعلا مجرما اجتماعياً ومحرماً دينياً وخلقياً.
كما في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) (سورة الروم الآية 41)
كما في قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ان يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عطيم) (سورة المائدة الآية 33).
حيث نلاحظ في الآية الكريمة الواردة ذكرها تشديد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وان لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة .
وان مظاهر الفساد هي كثيرة أهمها الاخلال الديني والسياسي والاداري والمالي والاجتماعي والثقافي.
إن القيم المتعلقة بالأمانة والصدق والاخلاص في العمل، هي مبادئ اسلامية وخير دليل على ذلك صفة نبينا محمد صلى الله عليه وآله بالصادق الأمين.
واسترشاداً برؤية أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام في معايير اختيار العاملين في الدولة على مختلف مسؤولياتهم ومستوياتهم الوظيفية ومنها([1]):
1- معايير اختيار الوزراء: يتضح بان الامام علي عليه السلام يوصي مالك الأشتر بتعيين الوزراء وفقاً للصفات التالية: ان لا يعين وزيراً سبق وأن عمل وزيراً في حكومة ظالمة لأن الامام علي عليه السلام لا يطمئن لعدالتهم وانصافهم، فقد تعودوا الظلم والطغيان والبعد عن المحاباة والاثرة.
2- معايير اختيار الكتاب: حيث حدد الامام علي عليه السلام;المعايير اللازمة في تعيين وتوظيف الكتّاب باعتماد الاداء السابق لهم، وان يكون لهم أثراً طيباً ومن يتسمون بحسن السيرة والسمعة والسلوك ومشهود له بالأمانة.
ويقصد بالكتاب في وقتنا الحاضر الموظفين بالدرجات الوظيفية العليا.
3- معايير اختيار العمال: حيث حدد الامام علي عليه السلام معايير تعيين العمال على أساس الاختيار وملاحظة مدى توافقه لواجباته وتصرفاته تجاه الرعية (المواطنين) يجب أن لايتم اختيارهم على أساس المحاباة والمحسوبية بل على أساس الكفاءة والتجربة والخبرة وان يتصف العامل بالحياء لأن الحياء من مكارم الأخلاق وان يتم اختياره من أهل البيوتات الصالحة والمؤمنة فانهم أكرم أخلاقاً، وأصح اعراضاً، فهم لايطمعون بالمال العام (تجدر الاشارة ان وظيفة العمال تقابل بالوقت الحاضر مدراء الدوائر..)
ومن جهة أخرى أكد الامام علي عليه السلام على الرحمة بالرعية: (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم) وورد في قوله (ولاتكونن عليهم سبعاً ضارياً تريد أكلهم فهم صنفان: اما اخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق).
فضلا عن ذلك فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام رمزاً للعناية بالرعية كائناً من كان دون تمييز. ونشير إلى موقف الامام علي عليه السلام إذ مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال الامام عليه السلام ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني. فقال أمير المؤمنين عليه السلام (استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، انفقوا عليه من بيت المال)([2])
من ماتقدم، يتطلب من موظف الخدمة العامة الامتناع عن أي تصرفات أو ممارسات أو اعمال تنتهك تعاليم ديننا الحنيف والآداب والسلوك القويم وقواعد الخدمة العامة والمحافظة على المال العام.
[1] - الشيخ محمد عبده، شرح نهج البلاغة، مؤسسة التاريخ العربي، البحرين، الطبعة الأولى.
[2] -سيد محمد الحسيني الشيرازي، احترام الانسان في الاسلام، مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر، بيروت، لبنان، مطبعة الفرقان، النجف الأشرف، الطبعة الأولى.